في غياب المعطيات السياسية، وتصريحات المسؤولين الحقيقيين، تتشتت "التحليلات" بين التخمينات غير المؤسسة والأماني غير المضمونة، فتغيب التحليلات الموضوعية، والاستنتاجات المبنية على مقدمات صحيحة... تلك هي الأجواء التي عادة ما تسود المشهد السياسي الجزائري عشية حدث هام أو قرارات مرتقبة.. ولعل من أبرز سمات السلطة في الجزائر والنظام بصفة عامة أنه نظام مغلق لا يخضع لقانون، ولا يعترف بدستور ولا يحترم تقاليد، ولا يتبع أعرافا.. وهذا هو ديدنه السرمدي، وعليه لا يمكن التوقع أو التنبؤ بخياراته أو توجهاته فكثيرا ما يُكذِّب المحللين ويفاجئ الأتباع ويراوغ الغرماء.. والغريب أنه عادة ما يتجاهل تجاوزاته للقانون ولا يكلف نفسه عناء التبرير أو تقديم قراءته ولو مغلوطة للواقعة أو الحادثة أو القرار... التشكيلة الحكومية المرتقبة أسالت الكثير من الحبر وأثارت الكثير من التعليقات ومحاولات التحليل لكن معظمها سيعرف المآلات نفسها التي عرفتها التحاليل الأخرى التي سبقت ترشح بوتفليقة، أو تلك التي تزامنت والحملة الانتخابية، والانتخابات الرئاسية وما صاحبها وما أعقبها وما أثارته النتائج وسيناريوهات ما بعد الرئاسيات وغيرها... فقد اتضح في آخر المطاف أن كل ذلك الكلام كان مجانبا للصواب بعيدا عن الواقع ولم "يصب" شيئا مما حدث.. حتى جزم الناس بعدم وجود محللين في الجزائر ولا سياسيين ولا كتاب ولا صحفيين فالجميع يخبط خبط عشواء ويقول كلاما أقرب إلى الهذيان.. ولعل المعطى الوحيد الذي يمكن الاستناد إليه في تناول هذا الموضوع هو أن المكلفين الحقيقيين بتعيين الطاقم الحكومي سيكونون مربوطين باعتبارين أساسيين ليس ثمة من المؤشرات ما يساعد على معرفة أية كفة سيرجحون أو على أي اعتبار سيستندون، الاعتبار الأول هو الحرص على تجديد الحكومة بتعيين كفاءات جديدة تنسجم ووعود وكلاء الرئيس، وتقنع الجزائريين أو على الأقل هؤلاء الذين يُقال أنهم انتخبوا بوتفليقة بأن ثمة شيئا جديدا وبأن الرئيس حقا عازم على إعطاء ديناميكية جديدة لتجسيد وعوده واستئناف إصلاحاته.. أما الاعتبار الثاني فهو الاعتراف بجميل الطاقم القديم الذي يدين له الرئيس بمساهمته الكبيرة في إنجاحه، ومساندته الدائمة ودعمه في أحلك الظروف، وبالتالي مكافأته على وفائه وتفانيه.. لأن اختيار وجوه جديدة سيكون بمثابة التنكر لجميل هؤلاء خاصة وأن الكثير منهم حرق سفنه وقطع خط الرجعة في كسب عداوات جهات لم يكن أحد يجرؤ على الإشارة إليها ولو تلميحا.. عودتنا السلطة وفي عهد بوتفليقة على وجه الخصوص بأنها قد تتخذ من القرارات والخيارات ما يكون مناقضا تماما لمنطق الأشياء، ويسير في الاتجاه المعاكس للتوقعات والترقبات.. وعليه لا يستبعد أن يحتفظ الرئيس بمعظم "عماله" في الحكومة، وقد يضيف إليهم بعض "الذين عملوا عليها" في مواقع أخرى وفي أدوار أخرى مكافأة لهم على حسن الأداء والمشاركة الطيبة... ذلك لأن تعيين سلال أو تجديد الثقة به لتشكيل حكومة جديدة يندرج في هذا السياق وتؤكد هذا المنحى... في حين أن منطق الأشياء يفرض على الرئيس تجديد الطاقم الحكومي برمته حرصا على توفير اكبر قدر من الفرص لنجاح برنامجه والوفاء بوعوده خاصة وأن أهمها وهي الإصلاحات، تمثل أهم المجالات التي فشلت فيها الوجوه القديمة وهذا باعتراف ضمني من لدن الرئيس، وإقراره بإعادة فتح ورشات الإصلاح وما دام الأمر يتعلق بالورشات فهذا معناه أن البناء لم يتم بعد... أما مسألة الوفاء للحرس القديم الذي خدم الرئيس في السراء والسراء فقد استفاد من السراء كلها، وبإمكان الرئيس أن يكمل جميله بتعيينهم في مناصب شرفية لهم فيها رزق معلوم، وهم فيها مكرمون.. وهذا هو المخرج والمنطق لو كان المسؤولون يفكرون بعقل سليم...