ضرورة تصحيح الاختبارات داخل الأقسام    ورشة تكوينية للقضاة وضباط الشرطة من تنظيم وزارة العدل    الإصلاح الشامل للعدالة يعد أبرز محاور برنامج رئيس الجمهورية    المسابقة الوطنية ستطلق غدا الخميس    لقد جعلت بلادنا من الأمن الغذائي رهانا استراتيجيا يتوجب علينا كسبه    عطاف يقوم بطرد وزيرة الخارجية السابقة للصهاينة تسيبي ليفني    لبنان يواجه أعنف فترة له من الاعتداء منذ عقود    إقامة صلاة الاستسقاء عبر الوطني السبت القادم    خنشلة : أمن دائرة بابار توقيف 3 أشخاص وحجز 4100 كبسولة مهلوسات    ترقب تساقط بعض الأمطار وعودة الاستقرار يوم الجمعة    مستغانم : قوافل الذاكرة في مستغانم تتواصل    كرة القدم/رابطة أبطال إفريقيا : شباب بلوزداد ينهزم أمام اولاندو بيراتس (1-2)    مذكرتي اعتقال بحق مسؤولين صهيونيين: مجموعة السبع تؤكد التزامها بقرار المحكمة الجنائية الدولية    الفريق أول شنقريحة يزور معرض أحمد الجابر للنفط واللواء مبارك المدرع 15    بصمة الرئيس تبون بادية للرقي بالفلاحة والفلاحين    رمز الريادة والابتكار    الاتحاد الدولي للسكك الحديدية يشيد بمشاريع الجزائر    الاحتلال الصهيوني يمسح 1410 عائلة فلسطينية من السجل المدني    دعوات للتصدي للتطبيع التربوي بالمغرب    وزارة الصناعة : السيد غريب يشرف على تنصيب الأمين العام ورئيس الديوان    الفريق أول شنقريحة يواصل زيارته الرسمية إلى الكويت    رحيل صوت القضيتين الفلسطينية والصحراوية في المحاكم الدولية    الجيش الصحراوي يستهدف قوات الاحتلال المغربي المتمركزة بقطاع امكالا    وزير الاتصال يعزّي عائلة الفقيد والأسرة الإعلامية    محرز يحقق رقما مميزا في دوري أبطال آسيا    مازة لن يغادر هيرتا برلين قبل نهاية الموسم    مدرب مانشستر يونايتد يصر على ضم آيت نوري    لخضر رخروخ : إنشاء المجمع العمومي لبناء السكك الحديدية مكسب كبير    الصيد البحري وتربية المائيات.. فرص استثمار "واعدة"    حريق يأتي على ورشة نجارة    اكتشاف عيادة سرية للإجهاض    طالب جامعي متورط في سرقة    الإطاحة بشبكة إجرامية من 5 أشخاص بوهران    فتح باب التسجيل ابتداء من يوم غد.. سوناطراك: 19 شعبة معنية بمسابقة التوظيف    معرض لورشات الشباب الفنية    البحث في علاقة المسرح بالمقاومة    تسليط الضوء على أدب الطفل والتحديات الرقمية الراهنة    جائزة الشيخ عبد الكريم دالي : حفل تكريمي للفنان الراحل نور الدين سعودي    الأيام السينمائية الوطنية للفيلم القصير بتبسة: فيلم "القناع" للمخرج فيصل قادة يفتك المرتبة الأولى    الملتقى الدولي للمهرجان الثقافي للفن المعاصر : منصة للتبادل والتحاور في مواضيع الفن المعاصر    تطبيق مبتكر يحقق الأمن السيبراني    أيام توعوية حول مضادات الميكروبات    كابوس مرعب في موسم الشتاء    الفترة المكية.. دروس وعبر    معرض الحرمين الدولي للحج والعمرة والسياحة بوهران: استقطاب أكثر من 15 ألف زائر    وزير الصحة يشرف على اختتام أشغال الملتقى الدولي الثامن للجمعية الجزائرية للصيدلة الاستشفائية وصيدلة الأورام    تسيير الأرشيف في قطاع الصحة محور ملتقى    الفروسية : كأس الاتحادية للمسابقة الوطنية للقفز على الحواجز من 28 إلى 30 نوفمبر بتيبازة    رقمنة القطاع التربوي: التأكيد على "الانجازات الملموسة" التي حققتها الجزائر    الدور الجهوي الغربي الأخير لكأس الجزائر لكرة القدم: جمعية وهران -اتحاد بلعباس في الواجهة    ندوة بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة    إعادة انتخاب دنيا حجّاب    بتوفير كافة الشروط لضمان عدالة مستقلة ونزيهة    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر    وفاق سطيف يرتقي إلى المركز الخامس        هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمين الدستورية الجزائرية مأخوذة من فرنسا مع اختلاف في "الكتاب" فقط
كل رؤساء العالم يقسمون اليمين الدستورية ولا أحد يحاسبهم
نشر في الشروق اليومي يوم 01 - 05 - 2014

شغل حفل تأدية اليمين الدستورية، التي أعلنها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الناس والصحافة والسياسيين في الجزائر وفي غيرها من البلدان خلال الأسبوع الجاري. ولأول مرة اهتم الجزائريون بهذا القسم الذي قرأه الرئيس بالتأني بسبب المرض، وتابعوا كلمات القسم من ألفها إلى يائها، وتساءلوا عن أصل هذا القسم الذي يقوله كل رؤساء العالم بمن فيهم رؤساء الدول اللائكية والعلمانية التي لا تعطي الدين أي دور في التعاملات بين الناس وفي دواليب الدولة. فالوزير الأول الإسرائيلي يؤدي اليمين والرئيس الروسي أيضا، وغالبية رؤساء الدول الشيوعية في زمن أوربا الشرقية كانوا يؤدون اليمين رغم أنهم يتفادون ذكر الله أو الرب كما يفعل الأمريكيون والفرنسيون.
وكان العالم قد تابع تنصيب الرئيس الأمريكي باراك أوباما في عهدته الثانية التي ستكون الأخيرة، وهو يؤدي اليمين الدستورية في حفل قصير بالصالون الأزرق بالطابق الأرضي بالبيت الأبيض في واشنطن، بحضور أفراد من أسرته وعدد قليل من الصحافيين، حيث قرأ باراك أوباما هاته الكلمات بثبات: "أقسم بأن أخلص عملي رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، وحماية دستورها والدفاع عنه، فليساعدني الله"، مع الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي، طلب أول أمس من إمام ماليزي أن يدعو له بعدم اضطهاد المسلمين والمستضعفين في العالم. أما فرانسوا هولاند فزار ضريح الجندي المجهول ثم أقسم اليمين في قصر الإليزي. وواضح أن الخطوات التي تقوم في الجزائر هي نفسها التي تقوم بها دول ديموقراطية كبرى بطريقة مأخوذة بالكامل من العالم الغربي. وهي صورة طبق الأصل لما هو موجود في فرنسا مع اختلاف في الكتاب الموضوع فقط، رغم أن القسم هو شأن إسلامي خالص لا يمكن أن تؤخذ طقوسه من العالم المسيحي أو اليهودي أو الإلحادي.
في لبنان حيث يتم تقسيم الحكم حسب التشريع الذي أقرته فرنسا بين برلمان للشيعة ورئاسة الحكومة للسنيين ورئاسة الدولة للمسيحيين يكون القسم فارغا من جانبه الروحي، عندما يقول الرئيس أقسم بالإخلاص للأمة اللبنانية، ويقسم رئيس مصر باحترام الجمهورية، ولا يفهم الناس آخر قسم قاله الرئيس السوري الحالي عندما أقسم بالله بأن يحافظ مخلصا على النظام والقوانين وأن يرعى مصالح الشعب وسلامة الوطن.. لأجل ذلك أصبح القسم أشبه بالعمل أو الخطوة البروتوكولية التي تجعل الرئيس بعيدا عن مسؤولياته أمام الشعب وأمام الله. وتلقى هذه الحفلات اليمينية الانتقاد، وأشهر خطبة جعلت الشيخ بن حاج يثير الناس ويتعرفون عليه أطلقها في أواخر ثمانينات القرن الماضي، عندما أدى الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد اليمين في عهدته الانتخابية حيث قال الرئيس وتلعثم بأنه يقسم بالله بأن يحترم الدستور، فردّ علي بن حاج بأن الرئيس قد أقسم بالله على عصيان الله، لأن الدستور الجزائري لا علاقة له بالإسلام حسب علي بن حاج طبعا.
المسلم بطبعه لا يقسم أمام الناس، لأن أي خطإ سيسحب احترام الناس من تحت أقدامه، ولم يحدث وأن أقسم الرسول- صلى الله عليه وسلم- على المصحف عندما باشر قيادة الأمة بعد فتح مكة، كما لم يقسم الخلفاء الراشدون والأمويون والعباسيون، لأن بناء الأمة لا يكفي بوعد من القائد أو الخليفة أو الرئيس فقط وإنما بجميع الناس، ونظام البيعة الذي قدمه الإسلام للعالم، هو قسم متبادل بين الحاكم والمحكوم، وهو نظام أقرته الحضارة الإسلامية. وإذا كان الرئيس الجزائري أو الأمريكي يؤدون اليمين مرة واحدة طوال العهدة التي يحكم فيها البلاد، فإن فترة قيادة الرسول- صلى الله عليه وسلم- شهدت عددا من البيعات، مثل بيعة العقبة الأولى وبيعة العقبة الثانية وبيعة الرضوان، وكان يبايع الرجال والنساء، بل إن الصحابي عبد الله بن الزبير قال إن الرسول- صلى الله عليه وسلم- بايعه وهو في سن السابعة من العمر فقط. والمنتقدون للبيعة لا يعرفون حقيقتها لأنها لا تلزم كل الناس وإنما ممثليهم من علماء وأئمة وممثلين للمجتمع، وتتم البيعة بعد اختيار القائد حيث يتقدم الرجال من الحاكم ويبايعونه بالمصافحة والقول وتقتصر على القول بالنسبة إلى النساء، كما أقرّت بذلك عائشة أم المؤمنين عندما قالت: والله ما مسّت يد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يد امرأة قط غير أنهن يبايعن بالكلام.
وإذا كان التاريخ والقرآن الكريم بالخصوص قد ذكر مختلف البيعات واعتبر يد الله شاهدة على هذه البيعات كما ورد في الآيات الكريمة، مصداقا لقوله تعالى: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم)، فإن السلف الصالح من كبار الصحابة ساروا على النهج، ومنحوا للعالم يمينا دستورية راقية، حيث تتم المبايعة على ما لا يخالف الكتاب والسنة بالنسبة إلى الحاكم وعلى السمع والطاعة ضمن قانون الإسلام حيث لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق بالنسبة إلى الشعب، فيحدث الاتحاد بين الحاكم والمحكوم على أن يتصدوا لمن يحاول ضرب استقرار هاته الوحدة، كما حدث في حروب الردّة في عهد الخليفة الراشد أبي بكر الصديق، عندما رفضت قبائل دفع الزكاة، واتبعت أخرى مدعّي النبوة مثل مسيلمة الكذاب وسجاح، فوقف الحاكم أبو بكر الصديق والمحكومون كالبنيان المرصوص الذي ردّ للدين عزته، وحفظ الخلفاء الراشدين قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الذي قال في حق الحاكم: "من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية"، بمعنى أن الحاكم الديكتاتوري الذي لم يبايعه الناس أو من ينوبون عنهم بالرضا من دون إكراه.
كما يخطئ من يظن بأن البيعة هي ولاء أعمى وتطبيق خاطئ لقوله تعالى: (وأطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر منكم)، خاصة إذا كان الحاكم قد استولى بالقوة على الحكم، محتقرا شعبه أو عن طريق التزوير. وقد سئل مرة إمام السلفية المرحوم ابن باز، إن كان قدر المحكوم أن يبقى طائعا وداعيا الله، بأن يحفظ حاكمه فقط، فقال إن البيعة تطلب من المحكوم نصح ولي الأمر، واعتبر الدعاء له بالهداية والتوفيق والصلاح والنية والعمل وصلاح البطانة، من لبّ النصيحة، ومن المفروض أن يباشر القائد بنفسه طلب النصيحة من رعيته حتى تكتمل فائدة البيعة.. فعلى الرعية وأعيان الرعية التعاون المباشر مع القائد الشرعي، من أجل صلاح الأمة. ويرى الشيخ ابن باز أن الهدف من الولايات كلها، هو تحقيق المصالح الشرعية، ودرء المفاسد، فأي عمل يعمله الإنسان يريد به الخير ويترتب عليه ما هو أشر مما أراد إزالته وما هو منكر لا يجوز له.
البيعة هي عصارة من العهد والصدق والوفاء وحفظ الأمانة، وهي لا تعني رئيس الدولة فقط، وإنما تعني والي الولاية ورئيس البلدية والمدير العام وحتى رب الأسرة، ولا تقتصر على فترة معينة أو ضمن عهدة زمنية محددة، وإنما تساير الأحداث، خاصة إذا مرت الأمة بأزمة حادة مثل الحروب، وعلى الشعب المطالبة بها والحاكم أيضا، حتى لا يبقى الرئيس مسؤولا وحده عن مآسي شعبه، أو الشعب وحده من يُمسح فيه موسى التخلف، وحتى لا تحسب الانتصارات والتطور للحاكم وحده أو للشعب وحده، ولا يعني حصول الحاكم على المبايعة ليتحكم في رقاب الناس أو ينام ملء الجفون، أو يترك الشعب قائده يكافح وحده ويقول له: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، لأن التاريخ يشهد الآن عن كلّ متكامل كلما ذكر فجر الإسلام ودولته العظمى التي امتدت من البحر إلى البحر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.