يشدّد الدكتور صلاح الدين سيدهم عرّاب حركة "مؤتمر التغيير الديمقراطي" الحديثة النشأة، على أنّ إحداث ديناميكية شعبية ضرورة للتغيير وإنجاح تحوّل ديمقراطي حقيقي نحو دولة القانون والحريات، وفي هذا الحوار الخاص ب"الشروق أون لاين"، أبرز سيدهم حرص مبادرة التغيير الديمقراطي على العمل ضمن حركة جامعة واسعة لكل المعارضات الحقيقية والصادقة ضد السلطة القائمة، معتبرا أنّ "تنسيقية الانتقال الديمقراطي" تشكّل بمنظوره "مغالطة كبرى" وتندرج في نظره ضمن "تناحر العصب داخل النظام". أطلقتم مبادرة سياسية جديدة للتغيير الديمقراطي، وتحدثتم عن ضرورة الانتصار لتفاهم سياسي تاريخي، لما هذه المبادرة طالما أنّ قوى عديدة أطلقت مبادرة للانتقال الديمقراطي؟ نحن مواطنون ومواطنات، شعورا منا بخطورة الوضع في بلادنا وتخوفا من المستقبل في ظل هذا النظام القائم، أخذنا مسؤولياتنا أمام شعبنا وأمام التاريخ بالتوّحد ضمن مؤتمر من أجل التغيير الديمقراطي (م.ت.د) قصد إحداث ديناميكية شعبية للتغيير وتحقيق تحوٌل ديمقراطي حقيقي نحو دولة القانون والحريات الديمقراطية. مبادرتنا هاته تندرج ضمن السياق التاريخي لوطننا، وتستند إلى النصوص التأسيسية المنبثقة عنه، وهي المبادئ العامة المنصوص عليها في إعلان الفاتح من نوفمبر 1954 وفي أرضية مؤتمر الصومام؛ ويضاف إليها المرجع الدولي المتمثل في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. نشير إلى أننا بدأنا في تخطيط المبادرة منذ ديسمبر 2013 قبل المهزلة الانتخابية، ولم نسجل أنفسنا في إطار إستراتجية النظام، فهي مبادرة شعبية بعيدا عن الأحزاب وما يسمى بالشخصيات الوطنية، أما عن مهزلة ما يسمى ب"تنسيقية الانتقال الديمقراطي" فهي مغالطة كبرى تدخل في اطار تناحر العصب داخل النظام، نحن ضدّ "المعارضات النظامية". كيف ذلك، ألم تجدوا الوصفة الشافية في خطة الانتقال الديمقراطي التي طرحتها عدد من قوى المعارضة؟ نعم، ثمّ إنّ المبادرة أتت في خضم الانسداد السياسي والمؤسساتي الذي نعيشه حاضرا والراجع أصلا إلى انعدام شرعية النظام القائم منذ الاستقلال، ويتزامن هذا الانسداد اليوم، مع أزمة أخلاقية حادة تشكل تهديدا خطيرا على التماسك الوطني والسلامة الترابية، بل على مصير الأمة ذاتها... وزادت هذه الأزمة غير المسبوقة تفاقما، تلكم الصراعات التي سادت في وضح النهار بين مختلف العصب النافذة الممزوجة بواجهة من سياسيين متواطئين معها وخاضعين لها. ما المبادئ التي تتكئ عليها مبادرتكم إنّ المبادئ الأساسية التي نستند إليها هي كالآتي: حرمة السيادة والشعبية من أيّ انتهاك أو مساس، ومن ثمّ فلا يمكن لأية جهة أو مؤسسة من مؤسسات الدولة، مهما كانت، أن تعتبر نفسها فوق هذه السيادة ؛ مساواة كل المواطنين والمواطنات أمام القانون، مهما كان مقامهم في الدولة أو في المجتمع؛ قدسية قيّمنا الحضارية التي تشكل المكونات الأساسية غير القابلة للتجزئة لهويتنا الوطنية، وهي: الإسلام والأمازيغية والعروبة مع الالتزام بعدم استغلالها السياسي، سواء من السلطة أو من المعارضة؛ احترام وضمان حقوق الإنسان، بمعنى قدسية الحرمة الجسدية والكرامة الإنسانية، وكذا الحريات الأساسية الفردية والجماعية، لا سيما حرية المعتقد، حرية الرأي و حرية التعبير وحرية التنقل والتجمع والحق في تأسيس الجمعيات؛ حل الشرطة السياسية بجميع أشكالها، من أجل تحرير الحقل السياسي في إطار الشفافية من جهة و من جهة ثانية حصر صلاحيات الاستعلامات والأمن، سواء منها المدنية أو العسكرية، في أداء مهامها المؤسساتية البحتة والتقليدية – أي الجوسسة، والجوسسة المضادة – في إطار مراقبة التراب الوطني وحماية المصالح الوطنية. كما نرافع لفصل فعلي بين السلطات، وعلى الأخص، ضمان استقلال القضاء، من أجل ضمان العدالة الحقيقية التي تشكل العمود الفقري لدولة القانون؛ تداول حقيقي على السلطة، عن طريق الاقتراع العام؛ تأكيد الطابع الجمهوري لمؤسسة الجيش في مهمتها المتمثلة في الدفاع عن الوطن وضمان السلامة الإقليمية للبلاد والاستقلال الوطني، تحت قيادة ورقابة السلطة السياسية الشرعية. هذه هي نقاط الاتفاق الكبرى، والذي يشكل طابعها الجامع أرضية توافقية، في إطار المبادرات المختلفة التي ظهرت هنا وهناك، مطالبة بضرورة حلول مرحلة انتقالية في بلدنا. طرحتم الاحتكام إلى مرحلة انتقالية، ما جدوى هكذا إجراء؟ يُناط بالمرحلة الانتقالية تحقيق هدفين رئيسين هما: إدارة الأمور الجارية وتصريف الأعمال العادية للبلاد وتمثيل الدولة في الداخل والخارج؛ تنظيم انتخاب الجمعية التأسيسية، في إطار انفتاح سياسي وشفافية تامة في مدة معينة متفق عليها. وتقع مسؤولية تسيير المرحلة الانتقالية على عاتق مؤسستين اثنتين هما: مجلس رئاسي يتكون من شخصيات وطنية من المقام الأول، مشهود لها بالوطنية والنزاهة ولم يعرف عنهم أية روابط سلطوية أو علاقات مصالح مع النظام الآيل إلى السقوط؛ حكومة مؤقتة تضم شخصيات معروفة بكفاءتها ونزاهتها وتغطي معظم القطاعات التابعة عموما لمسؤوليات الحكومية؛ ولا يحق لأي عضو من الهيئات المؤقتة الترشح في أوٌل انتخابات رئاسية موالية للمرحلة الانتقالية. وقمنا بوضع ميثاق أخلاقي للمرحلة الانتقالية، يوقع عليه من لدن جميع الشركاء، ويتمحور حول النقاط الأساسية التالية: التزام علني من كل الأطراف الموقعة على احترام المبادئ المنصوص عليها ضمن التفاهم السياسي؛ التزام المؤسسة العسكرية العلني، بمرافقة وحماية عملية التحول الديمقراطي وتحقيق دولة القانون إلى غايتها؛ التزام علني من قبل كل الأطراف الموقعة على هذا التفاهم السياسي التاريخي، عن رفضها تحت أيٌ شكل من الأشكال لأي تدخل أجنبي في الشؤون الداخلية لبلادنا. كيف تنوون بلورة المبادرة؟ نحن مواطنون ومواطنات نتوجه مباشرة، بعزم وعلنية إلى كل الوطنيين والأحرار في هذا البلد رجالا ونساء – من كل الأجيال، من كل الوضعيات أو المقامات الاجتماعية، من كل الحساسيات السياسية والمجتمعة، دون إقصاء أو حصر – من أجل العمل ضمن حركة جامعة واسعة لكل المعارضات الحقيقية والصادقة ضد السلطة القائمة، قصد إنهاء - وبكل الوسائل الشرعية والسلمية - هذا النظام الذي وصل إلى حالة جد متقدمة من التعفن السياسي والفساد الأخلاقي، أصبحت استمراريته تهدد وحدة الشعب، والسلامة الترابية للبلاد، و كذا مصير أبنائنا وحتى سيادة الأمة نفسها. نهيب بمواطنينا لإنهاء حالة الخضوع، لنصبح فاعلين لتاريخنا وأسيادا لمصيرنا، إذ أنّ الجزائر هي ملك لكل الجزائريين وكل الجزائريات، دون إقصاء أو حصر؛ ولا يوجد أي حاجز يفصل بين الجزائريين، رغم خطابات الحقد والكراهية، وذيوعها من كل جانب، والتي انتشرت بكثافة خلال السنوات الأخيرة من قبل أبواق الفتنة والتفرقة. ونرى بحتمية التوحد والعمل سويّا بالطمأنينة، دون إقصاء أيا كان، لإرساء عملية التغيير، من أجل إقامة دولة القانون والحريات الديمقراطية، كما نطلب من كل المواطنين التجنّد، والاستعداد بكل مقدراتهم الوطنية للمساهمة الفعالة، كل حسب إمكاناته، في حل الأزمة التي أضحت تنقض أسس وركائز وطننا. ما موقع النخب في مبادرتكم؟ ندعو المثقفين والمفكرين للتفطن إلى ضرورة تعلم احترام بعضنا البعض، وأن نتكلم فيما بيننا وأن نتقبّل الآخر، بغض النظر عن الاختلافات الإيديولوجية والسياسية؛ من أجل إفشال كمائن الاستعباد، والتهميش، أو الانزواءات الأيديولوجية ، والتي وُضعت كإستراتيجية سياسية من سلطة أصبحت ماهرة في فن التحريك والتفرقة، مع كل النتائج والآثار الكارثية التي نعرفها بسبب الانشطارات الطائفية بين الإسلاميين والعلمانيين، بين المعربين والمفرنسين، بين البربريين والعروبيين (البعثيين)، بين الوطنيين والمتغربين، بين التقدميين والمحافظين...إلخ. أقول جميعا من أجل التجند إلى جانب القوى السياسية الأخرى، للمساهمة قصد إنجاح التحول الديمقراطي الذي سيضع في النهاية أسس جزائر أخوية ومتصالحة مع نفسها، في ظل دولة القانون حيث يجد كل واحد مكانته. ينتقد مراقبون كون أغلب مؤسسي المبادرة يقيمون في دول أوروبية.. معظم الأعضاء المؤسسين لحركة "مؤتمر التغيير الديمقراطي" هم مقيمون داخل الوطن (22 من مجموع 32)، ثمّ ما العيب في أن يمارس هؤلاء حقوقهم السياسية والمدنية من الخارج، هم مواطنون شرفاء أكرهوا منذ سنين على العيش في المنفى، بعيدا عن فلذات أكبادهم وأمهاتهم وآبائهم، وبالنسبة لي شخصيا لم أكن رئيسا لأي مرصد حقوقي، وكنت دائما وما أزال ناشطا سياسيا وحقوقيا مستقلا. وحسبنا نحن، أن لا يوجد في صفوفنا أي وجه من تلكم الوجوه السياسية البارزة التي مارست مسؤوليات عليا في أحضان النظام، وتلك هي حجتنا. ما تفسيركم لما يحدث في الراهن السياسي؟ نرى أنّ ما يحدث اليوم نتاج لرفض السلطة الخضوع للشرعية الشعبية التي تُعتبر البديل الأوحد من أجل إقامة نظام ديمقراطي حقيقي في بلادنا؛ مفضلة بذلك، من أجل بقائها واستمرارها في الحكم، مهزلة التداول بين العصب التي تشكلها، والهروب الانتحاري إلى الأمام، بعدما أغرقت البلاد خلال عشرية كاملة في دركات الرعب. في ظلّ إصرار السلطة على أن الوضع "مريح" ورفض مدير الديوان طرح المرحلة الانتقالية، كيف ستتعاطون في سبيل تجسيد مبادرتكم؟ نعم نعمل مع شعبنا في الميدان، نحاول توعيته وشرح أفكارنا من أجل تغيير حقيقي، ما يقوله رجل المهمات القذرة لا يهمنا، نحن مع شعبنا الصبور في واد والعصبة الحاكمة في واد آخر، بدون تغيير موازين القوى لصالح المعارضة الحقيقية الأمور لن تتغير. اقترحتم في مبادرتكم "تشكيل مجلس رئاسي يتكون من شخصيات وطنية من المقام الأول، مشهود لها بالوطنية والنزاهة ولم يعرف عنها أية روابط سلطوية أو علاقات مصالح مع النظام الآيل إلى السقوط"، من هذه الشخصيات؟ لم نصل إلى تلك المرحلة، وهؤلاء سيبرزون في الميدان. ما دور الجيش والمجتمع المدني في حراككم؟ الوطن له كفاءات ويا للأسف مهمّشة من طرف الرداءة الحاكمة، بالنسبة لدور الجيش، هو حماية المسار الانتقالي الديمقراطي بدون تدخل في الشؤون السياسية، ننادي بوعي الجيش بمسؤوليته التاريخية في مرافقة وحماية عملية إرساء دولة القانون التي أضحت اليوم مطلبا أخلاقيا مشروعا وحيويا، لا مناص منه بالنسبة إلي الشعب الجزائري. أما ما تسموه بالمجتمع المدني، فهو لم يوجد في الساحة لحد الآن. كيف ستتعاطون في حال تجاهل مبادرتكم؟ سنلوم أنفسنا فقط، ولكن هذا الاحتمال غير وارد ونحن في مرحلة مبكّرة من الولادة، سنناضل بكل الوسائل المشروعة والسلمية ضد النظام القائم، حتى لا تكون كلمات الديمقراطية والتداول على السلطة مجرد شعارات... بل تكرّس دولة قانون حقيقية، منبثقة عن الإرادة السيدة للشعب الجزائري، مصدر كل سلطة وكل شرعية.