بعد الترحاب الذي لقيته مبادرة "إعادة بناء الإجماع الوطني" التي طرحها "الأفافاس"، لدى جناح معتبر من الأحزاب القريبة والموالية للسلطة، يكون قد أصبح لكل طرف مبادرته. فهل يمكن القول إن السلطة نجحت في تشتيت التركيز الذي كان موجها لمبادرة الانتقال الديمقراطي؟ آخر تصريح من الأحزاب الموالية للسلطة، يعلن دعم مبادرة "الأفافاس"، هو ذلك الذي صدر على لسان وزير النقل ورئيس تجمع أمل الجزائر (تاج)، عمار غول، الذي قال عقب اللقاء الذي جمعه بالأمين الوطني الأول لجبهة القوى الإشتراكية، محمد نبو، إن حزبه "يدعم ويشجع المبادرة وسيعمل على تقويتها وإنجاحها، لأن هدفها الأساسي يتمثل في بناء الجزائر ويخدم الصالح العام وليس طرف ما أو مجموعة حزبية". وقبل ذلك، أكد الأفلان على لسان المتحدث الرسمي باسمه، السعيد بوحجة، أن "العتيد" لا يزال يدرس مبادرة الأفافاس، وقال إنه ينتظر الجلوس مع أصحاب المبادرة لاحقا، لدراسة ما تبقى من النقاط العالقة، حتى يتمكن من حسم موقفه. وكانت مبادرة الأفافاس قد جاءت بعد رسائل الغزل المتبادلة بين قيادة الحزب العتيد والحزب الأقدم في المعارضة، والتي بدأت كما هو معلوم بثناء سعداني على الزعيم التاريخي، حسين آيت أحمد. أما الطرف الآخر الذي كان السبّاق في طرح مبادرته "تنسيقية الانتقال الديمقراطي"، فقد سارع على لسان رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، لانتقاد مبادرة "الأفافاس"، واعتبرها محاولة لجر المعارضة إلى مربع السلطة، بعد أن عجزت هذه الأخيرة عن استدراجها، من خلال المشاورات حول تعديل الدستور، التي أدارها مدير الديوان برئاسة الجمهورية، أحمد أويحيى، الصائفة المنصرمة. وبات المشهد السياسي بعد هذا المعطى تتجاذبه مبادرتان، الأولى هي تلك التي رفعتها المعارضة وتستهدف إحداث "الانتقال الديمقراطي" المنشود، الذي تأكد أن السلطة ترفض الانخراط فيه، في حين أن الثانية هي تلك التي طرحها "الأفافاس"، وهي تجد قبولا لدى محيط السلطة، ما يؤشر على أن هذه الأخيرة لا تقف على مسافة واحدة من المبادرتين. وبينما تشكل مبادرة "تنسيقية الانتقال الديمقراطي" تحديا للسلطة، كونها تحمل ضمن طياتها محاولة للي ذراع السلطة وذلك بإجبارها على الانخراط في مسعى لا يخدم استمرارها في الحكم، وهي التي تحوز على كافة أدوات القوة والنفوذ التي تمكنها من الاستمرارية، تهدف مبادرة الأفافاس إلى جمع الفرقاء السياسيين، من سلطة ومعارضة على طاولة واحدة للحوار، وفي ذلك تحد أيضا، بالنظر لحجم الهوة التي تفصل بين السلطة والمعارضة، والتي وسعتها حدة الخلافات بين الطرفين في المدة الأخيرة. وتبدو المسؤولية على عاتق مبادرة "الأفافاس"، أكثر منها على مبادرة "تنسيقية الانتقال الديمقراطي"، لأن الانطباع ترسخ لدى الأوساط السياسية والإعلامية بأن "حزب الدا الحسين" لم يعد تلك التشكيلة السياسية المغضوب عليها في هرم السلطة، مثلما كان الحال قبل تشريعيات 2012، بل أصبح بإمكانها لعب دور الوسيط الناجح بين السلطة والمعارضة منذ أن بات يتحرك في "المنطقة الرمادية"، وهو ما عبر عنه مقري عندما قال إنه ينتظر من "الأفافاس" دفع السلطة للقبول بشروط "التنسيقية". وبهذا تكون السلطة قد نجحت، من حيث سعت أو لم تسع، في تشتيت التركيز الذي كان مركزا على مبادرة المعارضة، ومن ثم توزيع الانتقاد الموجه إليها، سيما في حال استمر أو تفاقم الانسداد السياسي الحاصل.