قال وزير المالية وأول رئيس حكومة في عهد الرئيس بوتفليقة أحمد بن بيتور، أن الجزائر تخلت على قاعدة الراحل هواري بومدين "الذهبية""، التي كانت تقوم على أساس أن الجباية البترولية تأتي من مادة غير متجددة وهي البترول، وبالتالي عائداتها تحول مباشرة لميزانية التجهيز وليس لميزانية التسيير، لكنه للأسف تم التخلي عنها. وأوضح بن بيتور في منتدى الشروق أن ثلثي مصاريف ميزانية التسيير حاليا صارت تغطى من الجباية البترولية، وهنا يطرح الإشكال الكبير حسبه، ويؤدي بنا إلى طرح التساؤل التالي: ما هو سعر البرميل الكافي لمعادلة الميزانية le prix d_equilibre budgétaire ، فلو نرجع إلى سعر 2005 نجد أنه في حدود 34 دولارا وحينها كان كافيا، لأن الفائض كان 54 دولارا والفائض كان يوجه لصندوق ضبط الإيرادات. وأكد بن بيتور أن حجم صادرات الجزائر في تراجع وتهاو منذ 2006، وقال أعني بالحجم كمية النفط المصدرة بالطن، والغاز المتر المكعب، وقال "في صادرات 2013 تساوي 63 بالمائة من صادرات 2006، لكن خلال هذه الفترة كانت الأسعار هي التي تغطي تراجع حجم الصادرات وميزها تزايد في النفقات". وعاد بن بيتور إلى سنة 2011 التي عرفت ما يسمى بأحداث السكر والزيت وقال "النفقات العمومية زادت بنحو 50 بالمائة مقارنة بالسنة التي قبلها"، واللافت حسبه أن الجزائر واصلت في نفس تلك الصيرورة، أين زاد انخفاض حجم الصادرات الذي كان مغطى بالأسعار، ورافقها تزايد في المصاريف، وقال "حاليا هناك انخفاضان للصادرات والأسعار يقابلهما تزايد في النفقات والمصاريف". ويرجع وزير الحكومة الأسبق انخفاض الإنتاج إلى ارتفاع الاستهلاك ما تسبب في تراجع الصادرات، وخاصة أن الشركات الأجنبية توقعت اكتشافات جديدة، لكنها كانت أقل من التوقعات فكان فيه ضغط على الإنتاج وضعف في صيانة الحقول المنتجة، وأوضح في هذا السياق أن حجم المحروقات المصدرة بين 2006 و2013 تراجع ب37 بالمائة، وهذه نسبة كبيرة، وقال "هنا نعود لنؤكد مرة على معضلة الاقتصاد الجزائري المبني كلية على المحروقات، لأن 70 بالمائة من الميزانية كلها ممولة من الجباية البترولية". وتوقع بن بيتور أن لا يصمد صندوق ضبط الإيرادات كثيرا نظرا لما سبق ذكره، وذكر في هذا الصدد "صندوق ضبط الإيرادات كم سيصمد 2 أو 3 سوات على الأكثر"، وأضاف "أكثر من عامين ،صعب أن يصمد، خاصة بالنظر على سعر الموازنة الكافي"، وتابع ابتداء من سنة 2017 ستبدأ مشاكل حقيقية كبرى في تغطية مصاريف الدولة.
الحكومة عاجزة عن انتهاج سياسة جديدة لا تعتمد على الريع ويعتقد بن بيتور أن النظام القائم لا حول ولا قوة له، ولا يستطيع انتهاج سياسة جديدة تبتعد عن الاعتماد عن الريع النفطي، وقال الجزائر ستتجنب المشاكل الكبرى إذا كانت هناك سياسة جديدة، وهذه الأخيرة مستبعدة نظرا لأن الصادرات تتراجع من جهة والأسعار العالمية لسنا نحن من يتحكم فيها، موضحا أن سوناطراك نهاية التسعينات كانت تنتج لوحدها قرابة 90 بالمائة من المنتج، واليوم الشركة تنتج وحدها أقل من النصف. وتساءل ضيف "الشروق": "كيف ستواجه الدولة هذه الأزمة، وكيف ستقلص من المصاريف؟ هل بتقليص سياسة دعم الأسعار، هل تنقص في الأجور، أم هل ستقلص التحويلات الاجتماعية"، وخاصة يضيف بن بيتور أن التوقعات تشير إلى أن سنتي 2015 و2016 ستواجه فيهما الدولة هذه المعضلة، وانعكاسها سيكون حتما على الجبهة الاجتماعية، وذكر قائلا "اليوم العنف صار وسيلة لفض النزاع بين الأشخاص والحكومة والضغط بالشارع للحصول على المطالب". وحسب أن بيتور فإنه لو كان على رأس الحكومة في هذا الظرف بالذات "فإن اللجوء للتقشف سيكون حتمية وهذا بتخفيض النفقات والإنقاص من المصاريف غير الضرورية، والتحكم في النهب والفساد الناتج عن الريع، واستعادة جزء من الأموال التي تهدر بسبب الفساد على الأقل ليتم استغلالها في النفقات الاجتماعية". ووجه بن بيتور نقدا لاذعا للنظام والحكومة، وقال "ليس لنا لا إستراتيجية في المستوى المقبول ولا كيفية تسيير كذلك، ولم نستطع أن ننهض بالصادرات خارج قطاع المحروقات وهذا راجع لنوعية السلطة وكيفية إنتاج الثروة وإعادة توزيعها، وتابع "السلطة متسلطة والنظام إرثي، أين سادت عبادة الأشخاص وأحاطت بها حلقة المصفقين للاستفادة من تبرعاته"، وأضاف "الحكومة عاجزة عن إيجاد البديل، لأن الدولة تميعت وتم التأسيس للجهل والركود، وصار الفساد هو ما يقود الدولة، وأي برامج للإصلاح غير قابلة للتجسيد"، وختم يقول "فوق كل هذا، القرارات يتخذها عدد قليل من الأشخاص وليس المؤسسات".
تطمينات الحكومة نابعة من جهل و"باي باي" لسياسة شراء السلم الاجتماعي: انتظروا قرارات مؤلمة على رأسها مراجعة الدعم والمجانية وعن تطمينات الحكومة للشعب والرأي العام في كل مرة، يقول بن بيتور إنها نابعة من جهل، لأن نظرتهم فقط منصبة حول الصادرات على أنها عملة صعبة، موضحا أنه في عام 2013 بلغت مصاريف الدولة في الخارج 73 مليار دولار بين واردات وخدمات وأرباح الشركات الأجنبية. ويعتقد بن بيتور أن المشكل ليس في العملة الصعبة ولكن في تمويل ميزانيتي التسيير والتجهيز، وقال: "يمكن أن يجمدوا التمويل العمومي للمشاريع ويمكن جدا تخفيض ميزانية التجهيز ولكن هذا لن يكفي لأن ميزانية التسيير كلها ممولة من الجباية البترولية". وعن أسوإ السيناريوهات، قال الضيف بأنه "في حالة استمرار الوتيرة الحالية ستكون الدولة عاجزة عن القيام بالتزاماتها بمصاريف المواطنين، خصوصا أن ثلثي الموظفين أجورهم من الجباية البترولية". وتابع: "ممكن جدا أن تلجأ الدولة إلى رفع سعر البنزين والمواد الطاقوية، ومراجعة سياسة دعم الأسعار أصلا ومصاريف المدرسة والصحة المجانية، ومعاشات المتقاعدين ستمس وستتضرر إذا لم يكن فيه ارتفاع محسوس في سعر البرميل، وحتى لو ارتفع فلن يستطيع تغطية العجز". وعلق قائلا: "سياسة شراء السلم الاجتماعي ستكون أمرا صعبا وربما مستحيلا في المستقبل".
احتياطي الصرف لتمويل الواردات فقط ولا تأملوا الكثير من الغاز الصخري أكد أحمد بن بيتور أن التباهي باحتياطات الصرف من العملة الصعبة التي قاربت 200 مليار دولار زائد عن اللزوم لأن هذه المبالغ يمكن للبلاد أن تستفيد منها فقط في تمويل عمليات الاستيراد، لا أكثر ولا أقل، في وقت البلاد عاجزة عن توفير المصاريف. وبخصوص الغاز الصخري "الشيست" قلّل بن بيتور من مدى إسهام هذا المورد في زيادة المداخيل المالية للجزائر وسيكون ذلك هامشيا بحسبه في أحسن الحالات والظروف، لأنه من الآن وإلى غاية دخول الجزائر مرحلة الاستغلال التجاري ستكون عديد الدول قد توصلت إلى تكنولوجيا استغلال هذا المورد الطاقوي وعرض كبير للإنتاج، فضلا عن ارتفاع تكلفة استخراجه مقارنة بالمصادر التقليدية، وإضافة إلى ذلك فإن مردودية البئر تتراجع بنحو 70 بالمائة بعد عام واحد من الاستغلال فقط. وبحسب المتحدث، فإن الغاز الصخري يمكن أن يتحول موردا يلبي احتياجات السوق الداخلية شرط أن تكتسب الجزائر تكنولوجيا الحفر، لأنه حاليا ومن أجل الحصول على آلات الحفر يتطلب سنتين من الانتظار لوصولها إلى البلاد.
على الأفافاس أن يكشف عن شركائه في السلطة: مبادرة "الأفافاس" عمياء و تشويش على مشروع تنسيقية الحريات استغرب رئيس الحكومة الأسبق، أحمد بن بيتور، من طرح جبهة القوى الاشتراكية لمبادرة الإجماع الوطني وتوجيهه الدعوة إلى عدة شخصيات سياسية ووطنية للالتفاف حول ورقة "بيضاء" لا تحمل أي مضمون يمكن مناقشته، متسائلا عن هوية السلطات التي سيقدم لها حزب فحوى لقاءاته مع الأحزاب والشخصيات السياسية. واعتبر ضيف "الشروق" أن ما قام به أقدم حزب معارض في الجزائر يعتبر تشويشا على مشروع أرضية العمل التي أعدتها تنسيقية الأحزاب من أجل الانتقال الديموقراطي والحريات في محاضرة "المازافران" والتي كان الأفافاس طرفا فيها، مؤكدا في نفس الوقت رفضه لفتح النقاش مع وسطاء للسلطة، وقال بن بيتور إنه كان على قادة الأحزاب والشخصيات السياسية المشاركة في محاضرة "المازافران" حيث انبثق الالتزام بأرضية العمل والتي كان حزب الدا الحسين أحد أطارفها، لنتفجأ- يقول- بقيادة الأفافاس التي ذهبت إلى طرح مبادرة أخرى "لا معنى لها". وأكد المتحدث أن قيادة الأفافاس وجهت إليه الدعوة للمشاركة في المبادرة التي طرحتها، إلا أنه اعتذر عن تلبيتها، موضحا في الوقت نفسه رفضه الانتماء إلى أي مبادرات سياسية أخرى إلا إذا طرحت بدائل إيجابية جديدة مقارنة بما طرحته تنسيقية الأحزاب والشخصيات الوطنية، ليعود ويؤكد أن الأفافاس طرح مبادرة مجهولة المعالم غير قابلة للنقاش والحوار، ناهيك عن أنه طرحها في الوقت الذي توجت سلسلة اجتماعات أحزاب التنسيقية عملها بأرضية عمل جادة، مواصلا قوله: "وإذ بقيادة الأفافاس تخرج لنا بمبادرة أخرى جديدة، والأكثر من ذلك أن المبادرة خالية". وتعليقا على اللقاءات التي يعقدها الأفافاس في إطار مبادرته، يقول بن بيتور، هم يستدعون شخصيات لملاقاتها وتسجيل محتوى اللقاء وفقط من دون حتى التطرق إلى نقاش، وزيادة على كل هذا يقولون إن محتوى النقاش نقدمه إلى السلطات، متسائلا في هذا الشق عن هوية السلطات التي يتحدث عنها حزب الدا حسين، وبالتالي- يقول الضيف- السؤال الذي يطرح نفسه: ما الغاية من وراء إطلاق مبادرة عمياء. حتى مبارك وبن علي لم يستفيدا من استثماراتهما بالخارج بعد الانتفاضة على القائمين على شؤون البلاد التصرف بحكمة قبل أن ينتفض الشارع دعا بن بيتور القائمين على تسيير شؤون البلاد إلى التصرف بحكمة وتفادي الانتظار حتى ينفجر الشارع، مشددا على ضرورة استخلاص الدروس من تجربتي تونس ومصر، وما حدث للرئيسين بن علي ومبارك، وقال عنهما أن حتى استثماراتهما بالخارج لم يستطيعا الاستفادة منها بعد أن انفلتت الأمور، وأسقط نظام الدولتين. وأوضح بن بيتور أن سيناريوهات التغيير التي يمكن أن تحدث في الجزائر قليلة، بعد استبعاده إمكانية حدوث التغيير من طرف السلطة، وكذا من تحالف قد يحدث بين قوى المعارضة والسلطة، ليؤكد أن آخر سيناريو وهو الأقرب إلى الواقع -حسب ضيف الشروق- والمتمثل في انتفاضة الشارع، ليشدد أنه لو نتمعن جيد فيما يحدث، ونحلل الأوضاع الحالية لوجدنا أن الجزائر في أحسن رواق لإحداث التغيير السلمي أكثر من أي وقت مضى.
ضعف السلطة والفساد المالي يحولان دون نجاح برامج الإصلاحات تنسيقية الحريات تتعرض لتضييق وصل حد المتابعة القضائية قال بن بيتور أن نجاح برامج الإصلاحات في الوقت الحالي مرهون بذهاب النظام الحالي ورجالاته، ومن غير المعقول أن تعتبر بعض الأطراف مطالب كهذه على أنها تصعيد سياسي، مشيرا في نفس الوقت إلى التضييق الممارس من طرف الإدارة على أحزاب وشخصيات تنسيقية الانتقال الديموقراطي، خاصة فيما يتعلق بالحصول على ترخيص لتنظيم ندوات ومحاضرات، ووصل إلى حد المتابعة القضائية من طرف الولاة لرؤساء أحزاب. وأكد المتحدث أن كل ما هو برامج للإصلاحات غير قابل للنجاح في ظل ما نعيشه اليوم، جراء ضغف السلطة والفساد المالي، كلها عوامل أنتجت دولة مميعة تؤسس للجهل والركود، وتعمل على إبادة الأشخاص وتأسيس الفساد الذي أصبح يقود الدولة، لذلك يضيف بن بيتور "نحن ننادي بتغيير نظام الحكم ككل وليس الأشخاص فقط، وهذا لن يكون إلا عن طريق تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة تشرف عليها هيئة مستقلة". ويوضح ضيف الشروق أن المطالبة بتغيير النظام لا يندرج بتاتا ضمن التصعيد السياسي حسب ما يراه البعض، مؤكدا أنه يجب تحليل أمور وأوضاع بلادنا وأن نتوقع السيناريوهات المقبلة، ليواصل قوله "ألم أتحدث سابقا عن انخفاض أسعار البترول ومخاطر الاعتماد المفرط على مداخيل النفط والتداعيات السلبية على كافة المستويات، ولكن من غير المنطقي أن نصف مطالب كالتي تطالب بها التنسيقية على أنها تصعيد سياسي"، كما أكد بن بيتور أنه لو نتمعن جيدا فيما يجري حاليا على كافة الأصعدة ونحلل الأوضاع لوجدنا أن الجزائر في أحسن رواق للذهاب إلى التغيير السلمي أكثر من أي وقت مضى.