إذا استثنينا التّصريحات التي أطلقها وزير المجاهدين، الطيب زيتوني، ردا على ما قاله الرئيس الفرنسي، فإنّ حال الطبقة السّياسية في الجزائر، سلطة ومعارضة، كحال أهل القبور، لا ردود غاضبة، ولا تحرّكات ميدانية، ولا حتى شجب واستنكار، وهو أضعف الإيمان. صمت مُطبق وهدوء محير، واستكانة غريبة لرموز السلطة والمعارضة عندما يتعلق بتجاوزات المسؤولين الفرنسيين في حقّ الشّعب الجزائري، ممّا يخفي حقيقة مروّعة تتعلق بحالة الرضا والانهزامية والتّبعية التي لا تزال تربطنا بفرنسا، حتى وإن أخذتنا العنترية في بعض الأحيان، وإلا فما معنى أن يلوذ الجميع بالصمت مع أن الأمر يتعلق بتاريخنا وحقوقنا المشروعة والتي تبدأ باحترام التضحيات التي قدمها الشعب الجزائري في انتظار الاعتذار والتعويض. أين هي الأحزاب السياسية؟ وهل كانت ستسكت لو تزامنت تصريحات هولاند مع واحد من المواعيد الانتخابية؟ وأين ما يسمى بالمجتمع المدني الذي يحصي ما يقارب 70 ألف جمعية؟ وأين هي الشّخصيات الوطنية ووسائل الإعلام وكل القوى الحية التي يفترض أن تحوّل التّصريحات إلى فرصة لمحاكمة تاريخية للاستعمار المسؤول عن حالة التخلف التي نعيشها إلى اليوم. لا يمكن القبول بإنكار الإبادة في حق الجزائريين من قبل المسؤول الأول في فرنسا، وفي المقابل يهرول بأزهار القرنفل ليضعها على نصب تذكاري يخلد ضحايا المذابح في حق الأرمن، وعلى الرسميين في الجزائر أن يحدثوا ضجة بشأن هذا السلوك المزدوج وإلا فإن الإهانات ستستمر بشأن ذاكرة الجزائريين وحقهم التاريخي والقانوني. لقد نابت تلك الطفلة الفرنسية من أصل جزائري عن الجميع عندما واجهت هولاند وجادلته في موضوع الإبادة الجماعية في حق الجزائريين، وورطته في مصيدة التاريخ، وجعلته يتناقض مع نفسه بين التعاطف مع ضحايا الاستعمار، ونفي وقوع إبادة من قبل المستعمر، وفضحت معه أدعياء الوطنية في الجزائر الذين حولوها إلى سجل تجاري لخدمة مصالحهم الشخصية.
ستبقى الحال هكذا إلى أن يأتي جيل جديد يضع حدا لحالة التبعية السياسية والثقافية واللغوية نحو فرنسا، وقد بدأت بوادر ذلك بعد انتشار ظاهرة جديدة في المجتمع حيث بدأ يقتنع أنّ اللّغة التي يجدر تعليمها للجيل هي اللغة الإنجليزية، وليست الفرنسية، لأن الأولى ستفتح له أبواب العالم أجمع، أما الثانية فلا تنفع إلا في فرنسا وأدغال إفريقيا في أحسن الأحوال.