مطالبة بعض النواب من المعارضة بإقالة وزيرة التربية، السيدة بن غبريط، على خلفية اقتراح وزارتها تدابير لإدخال اللهجات الدارجة في المقرر ابتداء من الموسم الدراسي المقبل، هو مطلبٌ له ما يبرره، بالنظر أولا إلى الفتنة التي أثارها في الساعات الأولى التي أعقبت تسريب المعلومة كبالون اختبار، ثم لأن حساسية قطاع التعليم لا تترك هامش مناورة كبير لحامل حقيبته، حتى يتصرف بهذا القدر من الارتجال، ويعجّل بحرق مراحل انضاج القرارات داخل الوزارة ومع الشركاء، ثم اخضاعه للنقاش داخل مجلس الحكومة أو مجلس الوزراء. هذا ما أعيب من قبل على وزير التجارة المُقال، ويكاد يكون سنّة متبعة في كثير من الوزارات، كمؤشر خطير على سيادة حالة من التسيّب في إدارة الشأن العام، وهو ما كان يفترض من أعضاء البرلمان: معارضة وموالاة، أن يحركوا بشأنها مساءلة للوزير الأول، المسؤول الأول أمامهم على حسن أداء الحكومة في إدارة الشأن العام، وليس المطالبة بإقالة الوزيرة المغلوبة على أمرها، وقد اتضح منذ البداية أنها كُلفت فوق طاقتها ومؤهلاتها، وألبست عباءة أوسع من مقاسها بكثير. عند المساءلة والتدقيق، سوف نكتشف أن الخطيئة لم تكن فيها الوزيرة سوى أداة مسيَّرة وواجهة لتحريك بالون اختبار، قد تكون وراءه جهة نافذة متربّصة لم تيأس من تكرار محاولة ضرب العربية، وربما تقصد إضعاف المنظومة التعليمية المتهالكة أصلا، أو لأن أسلوب إدارة الحكومة قد ترك الحبل على الغارب للوزراء، يجتهدون وفق أهوائهم كحاطب الليل، أصاب أو أخطأ، ما دامت تبعات الإثم لا تطال الوزير الأول، ولا بقيّة أعضاء الحكومة من جهة التضامن الحكومي الغائب. الحالة، مثل حالات سابقة، تبدي للنواب سوءاتهم وتكشف عورة البرلمان، وما هو وهم عليه من هوانٍ يصل حد الاحتقار أو قل"حڤرة" السلطة التنفيذية، التي تنشط وكأن البلد بلا مؤسسة منتخبة قد خوّلها الدستور سلطة الرقابة والمساءلة على النشاط الحكومي، بل البرلمان في العرف السياسي هو جزءٌ لا يتجزأ من الحكومة، وهو المسؤول عن منع تسرب انحرافات خطيرة كهذه إلى مرافق إدارة الشأن العام، ويتحمّل أعضاؤه جزءاً من المسؤولية السياسية والأخلاقية. تكرار مثل هذه الأخطاء الحكومية المهدِّدة للوحدة الوطنية وللاستقرار، وقبول نواب الأمة بدور حامل الشمعدان، أو أحد أدوار "شاهد ما شافش حاجة"، يُلحق بالمؤسسة البرلمانية جزءاً من الإثم، وقد كان بوسعهم الخيرة بين الإصرار على انتزاع حقوقهم وصلاحياتهم الدستورية مهما كانت محدودة، أو الاستقالة وتبرئة الذمة أمام منتخبيهم. بقي أن نعيد الأمور إلى نصابها، ثم نلتمس الأعذار لهذه الوزيرة، ولرئيس الحكومة، وللنواب معا، لأنهم يعملون داخل مؤسسات أسست كمسجد ضرار على شفا جرف هار، لا يتوقع عاقل أن يقام فيه سوى المتشابه من طقوس الديموقراطية، والتعددية، والرقابة الشعبية على من وُلّي سلطة إدارة الشأن العام، وما كانت صلاتهم فيه وستظل، سوى مُكاءٍ وتصْدية، هو من يحتاج إلى من يهدمه، ثم يعيد بناء القواعد من البيت الذي لا يدخله أمثال الوزيرة إلا خائفين.