أنهى الرئيس بوتفليقة أخيرا الجدل الذي رافق مشروع مراجعة الدستور.. ومثلما كان متوقعا، لم تكن المسودة المعلن عنها، في مستوى تطلعات المعارضة، التي لطالما راهنت على دستور توافقي يتضمن مقترحاتها التي رفعتها إلى هيئات الحوار السابقة. وإن كان المشروع الجديد قد تضمّن إشارة إلى مطلب سبق لأحزاب المعارضة أن رفعته، وهو المتمثل في استحداث "هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات"، إلا أن الصلاحيات المخولة لهذه الهيئة الوليدة، لم تكن وفق التصور الذي راهنت عليه المعارض ويتفق جل المتابعين على أن الهيئة الموعودة تختلف عن اللجنة المستقلة التي اعتادت مراقبة الانتخابات في السابق، لكنها تختلف أيضا عن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس مثلا، وهي الآلية التي قادت الجارة الشرقية لأول انتخابات حرة وشفافة، مثلما شهدت على ذلك المنظمات غير الحكومية التي شاركت في مراقبة تلك الاستحقاقات. ويكمن الاختلاف بين الهيئتين في اختفاء دور وزارة الداخلية في هيئة تونس، في الإشراف على العملية الانتخابية واكتفائها بلعب الدور اللوجيستي لضمان نجاح الانتخابات. أما موقع الوزارة الوصية في الحالة الجزائرية، فلا يزال مبهما، بحسب ما تضمنته المادة 170 مكرر من المسودة. وتكشف القراءة المتأنية لتشكيلة الهيئة، أنها وإن تضمنت أسماء قضاة إلا أنها تفتقد محامين، لأن عامل الاستقلالية مهم في اتخاذ المواقف الجريئة في حالة تسجيل خروقات للعملية الانتخابية، على اعتبار أن القضاة أعضاء الهيئة وإن كان من بينهم قضاة حكم، الذين يعتبرون أكثر استقلالية من قضاة النيابة، إلا أنهم لن يكونوا أكثر تحررا من المحامين الذين يمارسون مهنة حرة. النقطة الأخرى التي لطالما رافعت من أجلها المعارضة واختفت من المسودة، هي النظام البرلماني، وقد جاء تكريس النظام السياسي الراهن، المتمثل في النظام شبه الرئاسي، ليغتال حلم جل الأحزاب المنضوية تحت لواء "تنسيقية الانتقال الديمقراطي". فالرئيس ليس ملزما بتعيين الوزير الأول من الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية، لأن المادة 77 من المسودة تتحدث فقط عن استشارة رئيس الجمهورية للأغلبية البرلمانية عند تعيينه الوزير الأول، وهو ما يعني أن الفوز بالاستحقاق التشريعي لا يقدم ولا يؤخر شيئا على صعيد قيادة الحكومة، الأمر الذي من شأنه أن يضعف موقع الهيئة التشريعية، التي تبقى ورقتها الوحيدة هي ممارسة الرقابة على الحكومة عند عرض بيان السياسة العامة. ومن شأن توسيع صلاحية رئيس الجمهورية في اختيار الوزير الأول، أن يقلص من فرص المعارضة في الوصول إلى قصر الدكتور سعدان، الذي سيظل بعيدا عن الأحزاب التي لا تشاطر رئيس الجمهورية مواقفه السياسية، مثلما تصيبها بالإحباط إذا كانت تدخل السباق وهي على قناعة بأنها لن تتقلد منصب الوزير الأول ولو فازت في الانتخابات. لكن وبالمقابل، يتعيّن الإشارة إلى بعض النقاط المهمة، وإن حاولت المعارضة التقليل من شأنها، وهي العودة إلى العمل بنظام العهد المغلقة، مثلما كان معمولا به قبل تعديل الدستور في عام 2008. تطور سيفسح المجال أمام المزيد من الطامحين في بلوغ سدة قصر المرادية، ومن ثم تكريس المزيد من التقاليد الديمقراطية، وكذا توسيع صلاحية البرلمان فيما يتعلق بمراقبة أداء الجهاز التنفيذي.