قد لا تنقضي سنة 2016 حتى يكون "داعش" قد انتهى كتنظيم يسيطر على مساحاتٍ واسعة من الأراضي في سورياوالعراق وحتى في ليبيا؛ فقد بات التنظيم اليوم في موقع دفاعي واضح، وهو يخسر معاركه يوما بعد يوم في البلدان الثلاثة، ويخسر معها المزيد من الأراضي والبلدات والقرى وحتى المدن، وآخرها الفلوجة، ويبدو أنه في طريقه إلى خسارة سرت بعد أسابيع على الأكثر، والموصل والرِّقة بعد أشهر... والواضح أن هناك قرارا دوليا قد أتُّخِذ لإنهاء التنظيم بالشكل الحالي، واستعادة كل الأراضي منه، ودفعه إلى السرية على غرار "القاعدة" الأمّ، بعد القضاء على الآلاف من عناصره، ودفع آلاف أخرى إلى العودة إلى بلدانها، حيث ستجد السجون بانتظارها، ولن يبقى مع التنظيم سوى عدد قليل سيضطرّ إلى دخول السرية. وفي هذه الحالة لن تكون هناك "قواتٌ" تسيطر على مدن وقرى وتنطلق منها ل"التمدّد" في المزيد من الأراضي والدخول في معارك طاحنة مع جيوش المنطقة، بل فقط عناصر تختفي في أماكن سرية، ثم تظهر فجأة وتضرب أهدافها بشكل خاطف وتعود للاختباء إذا نجحت في الانسحاب دون خسائر. وطبيعيٌ أن هذه الطريقة، حتى وإن كانت الخسائر الناجمة عنها كبيرة في بعض الأحيان كما رأينا في فرنسا وبلجيكا، ثم أورلاندو الأمريكية مؤخراً، لن تقضّ مضاجع العالم مثلما كان الأمرُ في عام 2014 حينما كان المئات فقط من عناصر "داعش" يزحفون على مدينةٍ كبيرة يحميها آلاف الجنود بحجم الفلوجة أو الموصل ويُسقطونها في بضع ساعات، وكانوا يهدِّدون بالزحف على مختلف دول المنطقة وإزالة حدودها وإسقاط حكوماتها، ثم الزحف على أوربا نفسها.. وكان ذلك كفيلا بقيام تحالف من 60 دولة لمحاربته، وهو واحدٌ من أكبر الأحلاف العسكرية الدولية عبر التاريخ. "داعش" سينتهي على الأرجح -كتنظيم قويّ يسيطر على أراض ومدن- بعد أشهر معدودة من الآن، بالنظر إلى الضغط الميداني الهائل الذي يتعرّض له في العراقوسوريا وليبيا، والنزيف البشري الكبير لعناصره، والتقلّص المستمرّ لموارده المالية والتسليحية والتجنيدية، ولن يجد التنظيم أمامه في النهاية إلا انتهاج طريقة "القاعدة" القائمة على العمليات الانتحارية والمفخخات والاغتيالات وأسلوب "الذئاب المنفردة" التي تضرب الغرب في معاقله كلما شعرت بأن الفرصة باتت متاحة... وقد يتمكّن التنظيم من توجيه ضرباتٍ جديدة مؤلمة لخصومه في عقر ديارهم ولكنها ضرباتٌ لا تحقق أيّ مكاسب ميدانية على الأرض. ولكن ينبغي التنبيه من جانبٍ آخر، إلى أنه إذا قُدِّر للغرب القضاءُ على "داعش" كتنظيم علني في ظرف عامين من المواجهة المباشرة، فسيتعيّن عليه أن يحاربه سنواتٍ طويلة كتنظيم سرِّي دون أن يُنهي وجوده بالضرورة، وأمامنا مثال "القاعدة" التي وعدت أمريكا مراراً بالقضاء عليها، ولكنها لاتزال موجودة إلى اليوم.