الممثل عبد الرحمن المعروف "بشني شني" في لقاء مع الشروق يؤمن بأن الموهبة تستطيع أن تثمر في أي فضاء فني ولا يعترف بفنان لم يصعد الركح المسرحي يوما، يحترم جمهوره لأبعد الحدود ويسعى لإرضائه حتى لو دفع ضريبة عمرها عشر سنوات، ينتقد الآخرين من خلال فقرات كوميدية، ولكنه يقبل الرأي الآخر. رفض الخوض في ما يحدث داخل بيت "الفهامة"، ولكنه قرر مغادرتها بلا عودة، تحسر لأنه تمنى أن يرد كوميديا على إهانة الفنانين المصريين للجزائر، لم ينس ذلك، ورفض ما أعلنته يسرا وزملائها مؤخرا عن تشجيعهم للمنتخب الوطني في المونديال. وكشف عن جديده بعيدا عن كاميرا "بادي". كان هذا الممثل عبد الرحمن المعروف "بشني شني" في لقاء مع الشروق. انضممت مؤخرا إلى "الأستاذ لوب" لبشير درايس، هل هذا هو سبب غيابك عن حصة "الفهامة"؟ أشكر جريدة الشروق اليومي على اهتمامها بالمشهد الثقافي والفني في الجزائر، وردا على سؤالك، فعلا سيشاهدني الجمهور قريبا في دور مختلف جدا، مقارنة بأدواري في حصة "الفهامة" أو قبل ذلك في عدة مسلسلات وسكاتشات بشخصية "بوشخشوخة". وهنا أشكر من ساعدني في بداياتي للحصول على التكوين الضروري، خاصة فوزية آيت الحاج، وفي الثمانينات آيت الحاج عمريش أيوب، وهو من قدماء المسرحيين الذين ساعدوني وشجعوني، الدور الذي أسند إلي في الفيلم لا علاقة له بالكوميديا، بل له علاقة بالدراما والحركة، أردت أن أغيّر من أدواري، وأخرج قليلا من ثوب الكوميديا بما أنني أملك القدرة على تقمص العديد من الشخصيات. متى قررت الخروج من تجربة "الفهامة" إلى تجارب أخرى، من شأنها إثراء رصيدك الفني، خاصة وأنك لست هاويا على غرار باقي طاقم الحصة؟ - تعلق الجمهور الجزائري بفقراتي في "الفهامة" وتحاوري معه يوميا في الشارع، والمحلات وأينما ذهبت، وتعبيره عن وفائه لأركاني، وما أقدم ومطالبته لي بالمواصلة والإمتاع جعلني أنسى نفسي. وأكرس عشر سنوات من حياتي لهذا الجمهور الذي أحبه وأهتم لتطلعاته لأنني أحس نفسي واحدا منهم، وأسعى لتمثيل همومه وانشغالاته بالكوميديا الهادفة. علاقتي بجمهوري ليست عادية لأنني من الفنانين الذين لا يؤمنون بغيره حَكما على الإبداع، وبالمناسبة الجمهور الجزائري من أصعب الجماهير إرضاء، ومتى قبلك واستقبلك في بيته، فيجب أن تبقى وفيا له، ولا تبتعد عن يومياته الصعبة، وكأنك تغرد خارج السرب. جميل هذا الوفاء للجمهور، ولكن ألا تظن أن التضحية بعشر سنوات في نفس الحصة يحوّل الموهبة إلى تمثيل نمطي ويحرمها من التعبير عن كل طاقاتها؟ - أنا ابن الجزائر العميقة، وما صنع بريق "الفهامة" منذ بدايتها هو ذلك التنوع في العادات والتقاليد، حيث كان كل عنصر في الفريق يمثل منطقة معينة، ويعبر بلهجة ساكنيها عن هموم مشتركة بين كل المواطنين في الشرق والغرب والوسط والشمال والجنوب، خصوصية اللهجة وثقافة كل منطقة من الجزائر العميقة كان تأشيرة الحصة إلى قلوب كل الجزائريين، اندمجت مع ما كنا نقدمه من أطباق فكاهية دسمة، تضحك وتبكي المواطن على ما يعيشه بصدق، واستطعنا تمرير الكثير من الانشغالات بذكاء كبير. ولكن منذ فترة بدأت أشعر، (وأنا واحد من مؤسسيها ومؤثثيها)، أننا ابتعدنا قليلا عن التصور الذي أنجحنا وفقدت الهوية الكوميدية التي رحب بها الجمهور. وهل نقلت هذه التحفظات إلى محمد صحراوي باعتباره المشرف المباشر على "الفهامة"؟ - طبعا..فمن حسن حظنا كفريق أن محمد صحراوي لم يكن فقط منتجا ومخرجا، بل كان صديقا أيضا ويقبل النقاش والحوار، ولا يمكن إنكار كفاءته في إضفاء الاحترافية على الأفكار وكل الفقرات، بعد مشاركتي في فيلم "الأستاذ لوب" بدأت أتخلف عن تقديم فقرتي في "الفهامة" ولكن ليس لأنني لم أملك الوقت. وبادي يعلم أنه كان بإمكاني العمل ليلا معه ونهارا في الفيلم. ولكن عندما تهتز قناعة الإنسان في شيء معين، ويشعر أن الحصة لا تحافظ على مستواها فمن حقه إبلاغ المعني بالأمر بانشغالاته. وهذا ما فعلته ثم اللجوء إلى المغادرة أصلا عندما فقدت الأمل في التغيير. بماذا تفسر حصولك على شعبية كبيرة وأنت لا تقدم سوى دقيقتين فقط في حصة مدتها ساعة من الزمن؟ -الحمد لله..بكل تواضع أحمد الله على الحب الذي أغرقني فيه جمهوري. هذا الأخير لا يتوقف عن سؤالي أينما ذهبت في مختلف المناطق بالجزائر عن جديدي، وعن الأغاني التي ألفتها والتي يحفظ كلماتهاوعن أفكاري في معالجة الواقع في دقيقتين فقط كما قلت. ومؤخرا تسرب رقم هاتفي وتلقيت وابلا من المكالمات تسأل عن سبب غيابي عن الحصة، فأجيب "غادرت مثلما غادرت بيونة وعطا الله ثم ڤعيڤع أي لنفس الأسباب". إذا هي القطيعة النهائية أو يبقى الاحتمال قائما في العودة مثلما فعل ڤعيڤع؟ - والله .. بالنسبة لصديقي ڤعيڤع كان لرحيله ما يبرره، ومن المبررات أيضا ما جعله يعود. لكل منا ظروفه، وأفضل أن أتحدث عن ظروفي فقط، أما بالنسبة للعودة، فهذا أمر مستحيل وغير وارد مادامت المعطيات وظروف العمل نفسها، ولا حرج من ذلك بل كان لي الشرف أن تتوسط لي "عالمية" الفهامة للمشاركة في فيلم "عالمي" لأن هذا يدل على أنها بلغت مستوى عاليا ويجب أن تعلو إليه، لا أن تنتظر المستوى لينزل إليها، نحن في سنة 2010 وليس سنة 2000، كل شيء تغير والراهن الاجتماعي تغيّر والجزائري بحاجة إلى تصورات جديدة تواكب هذه التغيرات. تحدثت عن تكوينك المسرحي، أين عبد الرحمن اليوم من الفن الرابع؟ وهل ستركب موجة المونولوج بشخصية جديدة تعيدك إلى استثمار مواهبك الحقيقية؟ - غير مستبعد ..ومن الممكن جدا التوجه إلى الخشبة قريبا والتي أحن إليها كثيرا والمسرح شاء من شاء وأبى من أبى هو أبو الفنون، وهو الاختبار الحقيقي لأي ممثل سواء كان دراميا أو كوميديا، لأنه الفضاء الذي يفجر طاقات الممثل وإمكانياته في لقاء مباشر مع الجمهور، ومن نجح في تقديم أداء مقنع على الركح بإمكانه التعامل مع الكاميرا بشكل طبيعي. ألا تظن أن بعض العناصر في فريق الفهامة لا تقدم شيئا، ولم يتطور أدائها ولازالت حبيسة "الشطيح" و"الرديح" بدون معنى؟ - لا يمكن أن أحكم على إمكانيات زملائي ووحده محمد صحراوي قادر على غربلة الفريق، وأظن أن مدة عشر سنوات كافية جدا لكشف الموهوب من المدعي، يعلم الله كم بذلت مجهودي للمحافظة على توازن واستمرار الحصة على مدار عشر سنوات وكم احتملت بعض التجاوزات من بعض الزملاء السابقين، ولكن عندما بلغ السيل الزبى وجدت أن الوقت حان للتغيير والخروج إلى ساحة أكبر وفضاء إبداعي أوسع. وللإشارة استخلصت من عملي في "الفهامة" أن الممثل الحقيقي هو من يعتمد على مواهبه فقط في إقناع المخرج بمستواه، أما من يفتقد للموهبة والكفاءة فيضطر إلى نسج خيوط النميمة والفتنة ليضمن بقائه، وهو بالضبط ما فعله البعض معي ومع محمد صحراوي بدافع غيرة مرضية لا تمت للفن ورسالته النبيلة بشيء. ألم تفكر يوما في البرلمان على غرار صديقك عطا الله؟ - من حق عطا الله أو أي فنان آخر أن يطمح وأنا أحترم خياراته وأتمنى له النجاح كما أرجو أن يكون لسان حال الفنان في الجزائر ويطرح انشغالاته، كنت قادرا على ولوج عالم السياسة باعتبار شعبيتي في مدينتي المدية، ولكني اخترت المنبر الفني خوفا من ثقل المسؤولية. هل تتبعت رد فعل "الفهامة" بعد انتقاد الكوميدي عبد القادر سيكتور لمستواها مؤخرا؟ تعجبت فعلا من حصة وأنا ابنها، لطالما انتقدت الحصص والمقدمين والجميع تقريبا، ولكنها لم تقبل بنقد واحد قدمه فنان من باب خوفه على غرار الجمهور على مستوى حصة أصبحت تشكل جزءا من يوميات المواطن في داخل الوطن وخارجه. ليس من السهل إضحاك الجزائريين أو إرضائهم..هل ستكون عودة عبد الرحمن "شني شني" بعد السينما من التلفزيون سهلة؟ لطالما فتح التلفزيون الجزائري أبوابه للفنانين، وأنا شخصيا شجع موهبتي قبل"الفهامة"، ولا أظن أنه سيغلق أبوابه بعد"الفهامة". ةومغادرتي الحصة لا تعني القطيعة مع "بادي" كمخرج أو منتج. وأتمنى حقيقة أن أتعامل معه مجددا في مشاريع أخرى ليقدمني باحترافيته المعهودة للجمهور في أدوار أخرى إنشاء الله. كلمة أخيرة تمنيت كثيرا لو كانت "الفهامة" تبث أيام الحرب الكلامية بين الفنانين المصريين حول الجزائر، تمنيت الرد عليهم كوميديا بطريقة تبكيهم لأيام وأشهر وسنوات، وكم تألمت وأنا أقرأ أن يسرا تعلن تشجيعها للفريق الوطني في المونديال. نحن لسنا بحاجة لها أو مثيلاتها ويكفي الجزائر أن جمهورها يستطيع أن يوصل من يحب إلى العالمية، وهو ما حدث مع أغلب لاعبي الخضر ممن كانوا غير معروفين، رغم لعبهم في نوادي أوروبية، ولكن المناصرين الجزائريين ومن فرط حبهم حوّلوهم إلى لاعبين عالميين.