قبل 757 سنة؛ في شهر ديسمبر من عام 1259م، وصل التتار بقيادة "هولاكو" إلى مشارف مدينة حلب، وحاصروا أسوارها، وبعد 7 أيام من الحصار قاموا باقتحامها، وقتلوا أعدادا كبيرة من سكانها، وأسروا عشرات الآلاف من الرّجال والنّساء والأطفال، ونهبوا الأموال والممتلكات، ومكثوا 5 أيام يستبيحون المدينة، إلى أن امتلأت الشّوارع بالجثث التي كان التّتار يتعمّدون وطأها بالأقدام، ولم تبق سوى قلعة حلب صامدة إلى غاية 25 جانفي 1260م، أين سقطت بأيدي الغزاة الذين انطلقوا بعدها يخرّبون ما بقي من بيوت وبساتين وجوامع، حتى أحالوا المدينة إلى خراب. بقيت هذه الفظائع راسخة في أذهان سكّان المدينة يروونها للأجيال بعدهم، إلى أن كانت سنة 1400م، أين بُليت حلب بنكبة أخرى أنست أهلها ما حلّ بأجدادهم قبل 140 سنة، عندما هاجمها القائد التّتريّ المغوليّ تيمورلنك الذي جاء بعد دخول التتار في الإسلام، وكان شيعيا نصيريا، أُشرب في قلبه أحقاد المذهب الشيعيّ على المسلمين. وصل إلى حلب يوم 28/ 10/ 1400م، وأضرم عساكره النار في البيوت وقتلوا السكان ونهبوا ممتلكاتهم، ودخلوا الجوامع ودنّسوها، ووصل بطشهم إلى قتل الأطفال واغتصاب النساء، واستمرّ السّلب والنّهب مدّة شهر، وسبيت النساء وأحضرن إلى تيمورلنك الذي وزّعهنّ على قادة جنده، وظلّت الجثث في الشوارع والطرقات حتى تعفّنت.. وبلغ الصّلف بتيمورلنك إلى حدّ جعله يجمع 20 ألفَ رأس من رؤوس القتلى، ويصنع بها برجا عاليا، وقد ذكر بعض مؤرخي الطائفة النصيرية أنّ من أسباب اشتداد حنق تيمورلنك على أهل حلب خاصّة وأهل الشّام عامّة، الموقف الذي أبدته "درة الصّدف" العلويّة ابنة "سعد الأنصار"، ومعها 40 امرأة علوية، عندما أقبلن إلى تيمورلنك وهنّ ينُحن ويبكين ويطلبن الانتقام لنساء أهل بيت الحسين –رضي الله عنه- اللاتي جيء بهنّ سبايا إلى الشّام!.. وهي ذاتُ الأكاذيب التي لا يزال الشّيعة يروّجون لها لتبرير حقدهم على أهل السنّة الذين يبرؤون إلى الله ممّا حصل للحسين رضي الله عنه وأهل بيته، وينفون أن تكون قد سبيت هاشمية قطّ.
... من هولاكو إلى بوتين ها هو التاريخ يعيد نفسه، وها هو "فلاديمير بوتين" يعلنها حملة لا تبقي ولا تذر على أهل سوريا عامّة وأهل حلب خاصّة؛ حرب لا شكّ في أنّ دافعها الأساسيّ استراتيجيّ وحيويّ، لكنّها لم تخلُ من دوافع دينيّة، وإلا كيف يفسّر دخول الكنيسة الأرثوذوكسية الرّوسية على الخطّ ومباركتها لتدخّل بوتين في سوريا ووصفها لحربه هناك بأنّها حرب مقدّسة، ومشاركة قساوسة هذه الكنيسة في رشّ الماء المبارك على الطّائرات التي تنطلق لإلقاء قنابلها وحممها على المسلمين في سوريا؟.. حرب حاقدة يستنسخ فيها الرّوس ما فعله التتار بأهل حلب.. وها هو العالم يأخذ موقف المتفرّج على استعراضات الطّيران الرّوسيّ الذي يستهدف المستشفيات ومستودعات الأدوية ومحطّات التّزويد بالمياه والمخابز والمباني الآهلة بالسّكان، ويتابع (العالم) الأهوال التي يصبّها الرّوس على أهالي هذه المدينة التي أحالتها الطّائرات الرّوسية إلى جحيم تشهد عليه الجثث الملقاة في الشّوارع، والأبنية التي سويت بالأرض على رؤوس ساكنيها، وعشرات الآلاف من النّازحين الفارّين من الموت القادم عبر القنابل الارتجاجية التي تؤدّي إلى إحداث دمار هائل بالأبنية، وإلى مقتل آلاف من السكّان غالبهم من الأطفال والنّساء والعزّل الذين لم يحملوا سلاحا ولم يقاتلوا أحدا، بل إنّ الحقد الأعمى، قد حمل الرّوس على تكثيف مشاركتهم في هذا العدوان الغاشم بإرسال نخبة جنودهم لقيادة العمليات العسكرية على الأرض، وهو ما اعترف به رئيس معهد "كاست" الروسي للأبحاث، راسلان بوخوف، فيما نقلته عنه صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، وهي المشاركة الميدانية التي يبرّرها ضعف ثقة الرّوس بقوات الأسد والمليشيات الطائفية المتحالفة معه، وقد كان "أنشيل بيبر" معلق الشؤون الخارجية في صحيفة "هآرتس" الصهيونية، أكّد أنّ هناك تقييمات روسية تشير إلى خيبة أمل كبيرة في موسكو من مدى انهيار جيش النظام والمستوى المتدني للتنظيمات الشيعية العراقية والأفغانية التي جنّدها حرس الثّورة الإيرانيّ للقتال إلى جانب الأسد، لكنّها ظهرت "غير قادرة على الصمود أمام مقاتلي المعارضة السورية الذين يمتازون بقدرات قتالية ودفاعية هائلة بسبب شعورهم بأنهم يدافعون عن الوطن والعائلة في مواجهة عدو خارجي" (هآرتس، 03/ 10/ 2016م).
الأحقاد الطائفية.. من تيمورلنك إلى قاسم سليماني ليس بوتين وحده هو من يستنسخ تجربة هولاكو مع حلب؛ فها هو تيمورلنك العصر، قاسم سليماني، يعيد الكرّة، ويقود أكثر من 60 مليشيا شيعية طائفية تشكّلت بدعم وتسليح إيرانيّ من بين شيعة العراق ولبنان وباكستان وأفغانستان، لتنفيس الأحقاد الطائفية والمذهبية في أهالي سوريا عامّة وأهالي حلب خاصّة؛ أحقاد نطق بها المرشد الأعلى الإيرانيّ علي الخامنئي عندما وصف القتال الدائر في سوريا بأنّه "حرب الإسلام على الكفر"، وخرجت على لسان خطيب الجمعة في طهران "آية الله محمد إمامي كاشاني" الذي قال في خطبة صلاة الجمعة الموافقة ل16/ 12/ 2016م إنّ "حلب لم تسقط وإنما تحررت وانتصر المسلمون فيها على الكفار وعلى أيادي السفياني والدجال"، وهي الأحقاد ذاتها التي جعلت القيادي في ميلشيا الحشد الشّيعيّ الطّائفيّ في العراق، المدعو "أبو عزرائيل" يعترف خلال مشاركته في مداخلة على قناة "NRT" بأنّ المعركة في حلب "عقائديّة"، وأنّها "معركة ضدّ نواصب العصر"!.. أحقاد عمياء جعلت صحيفة "وطن أمروز" الإيرانيّة المقربة من الحرس الثوري الإيراني، تزعم أنّ النبيّ محمدا -صلى الله عليه وآله وسلم- شارك في معركة حلب، وأنّ من أسمتهم "المجاهدين" الذين شاركوا في المعركة أقاموا صلاة الفتح خلفه! وتذهب بعيدا لتقول "إنّ الذين لم يفرحوا بنصر إيران في فتح حلب، لا ينتمون إلى الإسلام ولم يكونوا مسلمين، ولا ينتمون أبدا إلى دين محمد"!.
كلّ من لم يفرح بمأساة حلب فهو عدوّ! لقد فضحت حلب الشّهباء الحقدَ الأسود الذي يحمله الطائفيون لكلّ من يخالفهم في مذهبهم المبنيّ على اللّعن والطّعن والتّكفير والأحقاد والثّارات، وكشفت مزيدا من أوراق التوت عن سوءاتهم، وجعلت الأمّة تدرك حقيقتهم، وتكتشف طائفيتهم أكثر من أيّ وقت مضى، وهي تتابع فرحة أدعياء الممانعة بمأساة حلب ورقصهم على أشلاء أهلها، ليكلّل مشهد الشّماتة بظهور القائد المظفّر "قاسم سليماني" وهو يتجوّل في الأحياء المنكوبة من حلب الشرقية، تغمره نشوة النّصر المزعوم الذي حقّقته له الطيران الروسيّ وقوات نخبته على الأطفال والنّساء والعزّل، ويملؤه الكبرياء الذي ملأ تيمورلنك عندما دخل مدينة حلب قبل 616 سنة!. لم يكتف الطائفيون بالشّماتة حتى أطلقوا إعلامهم المسعور على كلّ من استنكر جرائمهم وتعاطفَ مع السوريين، ولو كان هذا المستنكِر يمثّل شوكة في حلوق الصّهاينة، ويكفي في هذا الصّدد أن نشير إلى الهجوم الآثم الذي شنّته صحيفة الأخبار اللبنانية التابعة لما يسمّى "حزب الله"، على حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، بسبب أنّ هذه الأخيرة أصدرت بيانا استنكرت فيه بشدة ما يجري في مدينة حلب من "مجازر وعمليات قتل وإبادة يتعرض لها أهلها الأبرياء الآمنون"، وقالت (حماس): "نتابع ببالغ الألم والاستهجان ما يجري في مدينة حلب، وما يتعرض له أهلها من مجازر وعمليات قتل وإبادة تقشعر لها الأبدان ويندى لها الجبين".. فهل تحوّلت بوصلة أدعياء الممانعة أم أنّ البوصلة قد عادت إلى وجهتها بعد سنوات من الدّعاوى والمتاجرات الكاذبة؟.
سقوط الأقنعة عن الوجه الكالح لأدعياء المقاومة لقد أسقطت الهجمة الإعلامية التي شنّتها بعض الأبواق الطائفية على حركة المقاومة الإسلاميّة حماس بسبب تعاطفها مع أهالي حلب، والتي جاءت متزامنة مع إقدام الموساد الصّهيونيّ على اغتيال مهندس الطيران التونسي محمد الزواري الذي كان يقدم استشارات تكنولوجية لحركة حماس الفلسطينية وجناحها العسكري؛ أسقطت هذه الهجمة مزيدا من أوراق التوت عن سوءات أدعياء الممانعة، لتضاف إلى الأوراق الأخرى التي تهاوت في السنوات الأخيرة بعد انطلاق الثورة السورية، والتي كشفت عن مدى الرّضا الذي انتاب الكيان الصّهيونيّ بالدّور الذي تلعبه إيران وحزب الله في سوريا، إلى الحدّ الذي جعل "إفرايام هيلفي"، الرئيس السابق للموساد الصّهيونيّ يؤكّد في محاضرة له ألقاها بتاريخ 28/ 05/ 2015م بمركز "فيسشر" لاستراتيجات الفضاء، يؤكّد أنّ حزب الله اللبناني بات يساهم يوميا في الأمن الإسرائيلي من خلال القتال الشرس الذي يخوضه في سوريا، معتبرا أنّ معارك الحزب مع المتشدّدين مثل تنظيم داعش تضعف الطرفين معا وتساعد على إبقاء نزيف العناصر لديه. أمّا صحيفة "معاريف" الصّهيونيّة فقد دعت في الذكرى الثالثة لانطلاق الثورة السّورية إلى تقديم الشكر لروسيا وحزب الله وإيران لإنقاذها الرئيس بشار الأسد من السقوط، مؤكدة أن "بقاء نظام الأسد يخدم مصلحة إسرائيل الاستراتيجية"، ونقلت تعليقا للكاتب والمحلل الإسرائيلي، "جاكي خوجي" يقول فيه: "إنّ مصلحة إسرائيل تكمن في عدم انتصار المعارضة السنية، التي تحظى بدعم الخليج وتركيا"، ولم ينس "خوجي" أن يدعو "إسرائيل" للوقوف إلى جانب "محور الممانعة"! ويلفت إلى "أنّ خطرا كبيرا حلّق فوق أمن إسرائيل في السنوات الخمس الماضية منذ اندلاع الحرب السورية، تحرّك فيها نظام بشار الأسد بين الحياة والموت وكان قريبا من نهايته، ولم تعرف القيادة الإسرائيلية كيفية التعامل مع الطبخة التي تُطبخ من وراء الحدود؛ في البدء انضمت إلى الجوقة الدولية التي تطالب برحيله؛ وبعد ذلك فهمت أنّ اتخاذ موقف واضح قد يُغضب أحد الأطراف المتضرّرة ولهذا قرّرت الصمت؛ وفي النهاية قررت إسرائيل أنّ من الأفضل لها أن تقف مع الأسد"، وكشف "خوجي" حقيقة مهمّة عن الدّاخل الإسرائيليّ قائلا: "لن يعترف أي سياسي إسرائيلي أو ضابط عسكري بفمٍ ملآن أنّ بقاء الأسد يشكّل بالنّسبة لإسرائيل طوق النّجاة وأنّه كان علينا أن نصلّي من أجل بقائه منذ شتاء 2011، حيث تنبأ الجميع تقريبا أنّه سينهار، وأنّه يجب علينا أن نشكر نصر الله مرّتين؛ مرّة لأنّه ساهم بدماء أبنائه من أجل منع انهيار النّظام في دمشق، ومرّة لأنّه وجه كلّ إمكانياته إلى السّاحة السورية"، ثمّ أضاف الكاتب قائلا: "يجب علينا أن نشكر الإيرانيين أيضا الذين ساهموا بالأموال والسّلاح من أجل كبح المليشيات السنية... أيضا يجب علينا أن نشكر بوتين لأنّه وقف إلى جانب دمشق على طول الطريق".