عزّزت نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة وضعية مدير الديوان برئاسة الجمهورية، الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، أحمد أويحيى، أكثر من غيره من السياسيين، وأشرت تلك النتائج على دور أكبر للرجل في المشهد السياسي لمرحلة ما بعد الرابع من ماي. فمتاعب أويحيى السياسية عادة ما تأتي من رفقائه في الحزب قبل أن تمتد إلى المناصب التي يتقلدها في الدولة، ولعل تجربة تشريعيات 2012 أبرز مثال على هذه المقاربة، فالتجمع الديمقراطي لم يحصل في ذلك الاستحقاق على سوى 68 مقعدا، بعيدا تماما عما حققه الغريم حزب جبهة التحرير الوطني، الذي حصد أكثر من 220 مقعد. حينها تعززت قوة معارضي أويحيى مدفوعة بهزالة نتائج الحزب في الغرفة السفلى للبرلمان، قبل أن تأتي الضربة القاضية بتنحيته من رئاسة الوزارة الأولى في حكومة ما بعد التشريعيات، ليقدم بعدها كبش فداء على مذبح طموحه المشروع لخوض سباق رئاسيات 2014، في جانفي 2013. غير أن نتائج التشريعيات الأخيرة جاءت عكس سابقتها، فعداد التجمع الديمقراطي ارتفع ب 27 مقعدا، في سيناريو لم يكن متوقعا، مقابل انهيار كبير لجبهة التحرير، التي وإن حافظت على موقعها كقوة سياسية أولى في البلاد، إلا أنها تضررت من الناحية السياسية. وإن كانت حصيلة الاستحقاقات الأخيرة قد عززت من قوة التجمع الديمقراطي، إلا أن ما حققه أحمد أويحيى من مكاسب سياسية، يفوق بكثير تلك التي حققها حزبه، كما يضعه في أريحية كبيرة لمواجهة التحديات التي تواجهه لاحقا، وفي مقدمتها الرهان على الجهاز التنفيذي، وكذلك موقعه على رأس حزبه. لا يوجد في الدستور ما يلزم الرئيس بوتفليقة على اختيار الوزير الأول من الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية (جبهة التحرير)، كما أن "تمييع" المشرع الجزائري لمفهوم الأغلبية البرلمانية (ليس بالضرورة حزبا واحدا وقد تكون مجموعة أحزاب)، يعطي هامشا أكبر للقاضي الأول كي يختار الوزير الأول من حزب آخر قد لا يكون الحزب الفائز بأكبر عدد من المقاعد، وهو ما قد يفتح المجال أمام احتمال عودة أويحيى إلى قيادة الجهاز التنفيذي، بعد إخراجه منه من الباب الضيق، قبل نحو خمس سنوات خلت. ويؤشر عدد المقاعد المحصل عليها من قبل التجمع الديمقراطي، على أن أويحيى لا يزال يحظى بثقة صناع القرار، ولعل ما يعزز هذه المقاربة هو خفوت أصوات معارضيه، الذين عادة ما تتقوى شوكتهم عندما تكون علاقة خصمهم السياسي ب "المقررين"، في أسوإ حالاتها، تماما مثلما حصل نهاية عام 2012 وبداية 2013. كل هذه المقدمات تدفع إلى الاعتقاد بأن "الحرب" التي خاضها أويحيى خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، كان مبرمجا لها أن تكون ناجحة، غير أن هذا النجاح يبقى نسبيا ومرهونا بطبيعة التحديات والرهانات التي تنتظرها المرحلة المقبلة.. بمعنى: هل يعتبر هذا النجاح مقدمة لدور محتمل للرجل على مستوى الحكومة؟ وإن كان الأمر كذلك، هل ما كان يستهدفه أويحيى هو العودة إلى الحكومة وفقط، وهو الذي ترأسها في العديد من المناسبات؟ أم إنه يستهدف رهانا أكبر وهو قصر المرادية، الذي يبقى هدفه المنشود طالما أنه المنصب الذي عجز عن تقلده في حياته؟ هذا هو السؤال الذي تصعب الإجابة عنه في الوقت الراهن.