لم تثمر تشريعيات الرابع ماي تغييرا كبيرا في الخارطة السياسية، بعد أن تمكنت «الأحزاب التقليدية» من المحافظة على مواقعها داخل قبة المجلس الشعبي الوطني، فالتيار الوطني أو ما يعرف ب«الموالاة» المتمثل خصوصا في حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، تمكن من الاستيلاء على الأغلبية في الغرفة السفلى، مدعما بكل من الحركة الشعبية الجزائرية، التي ارتفعت نسبة تمثيلها وكذا تجمع أمل الجزائر، الذي تمكن في أول مشاركة له في التشريعيات من حصد عدد معتبر من المقاعد. ورغم تراجعه فإن التيار الإسلامي استطاع أن يبقي على مكانته في المجلس، في وقت تكبّدت فيه كل من جبهة القوى الاشتراكية وحزب العمال والجبهة الوطنية الجزائرية خسارة معتبرة مقابل تقدم واضح للمترشحين الأحرار وجبهة المستقبل، إضافة إلى بروز مميّز للتحالف الوطني الجمهوري والعودة البرلمانية المحتشمة للتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية. وعرف هذا الاستحقاق ارتفاعا في عدد الأحزاب المشاركة والحاصدة للمقاعد، حيث بلغ عدد الأخيرة أكثر من 40 حزبا منها من تحالف في تشكيلات أهمها تحالفا التيار الإسلامي إضافة إلى تحالف تكتل الفتح. كما شهد دخول أحزاب جديدة لمعترك التشريعيات بحصولها على مقاعد لأول مرة على رأسها تجمع أمل الجزائر «تاج»، إضافة إلى أخرى كحزب الشباب وجبهة النضال الوطني والجبهة الديمقراطية الحرة. وبالمقارنة مع 2012، فإنه يلاحظ ارتفاع عدد الأحزاب الممثلة في البرلمان والتي لم تتجاوز حينها 26 تشكيلة إضافة إلى الأحرار. وأوضحت النتائج الأولية على المستوى الوطني- دون احتساب نتائج الجالية الجزائرية في المهجر- أن حزب جبهة التحرير الوطني ورغم احتفاظه بالمرتبة الأولى في التشريعيات التي جرت أول أمس، فإنه فقد الأغلبية البرلمانية بعد أن خسر 57 مقعدا في المجلس الشعبي الوطني منتقلا من 221 مقعدا إلى 164، لكن التيار الوطني الموالي للسلطة يبقى هو صاحب الأغلبية البرلمانية بفضل النتائج الايجابية التي حققها التجمع الوطني الديمقراطي، الذي حافظ هو الآخر على مرتبته الثانية، لكنه حقق نقلة نوعية من حيث الكم منتقلا من 70 مقعدا إلى 97 مقعدا أي بزيادة 27 مقعدا، تضاف إليها مقاعد تجمع أمل الجزائر والحركة الشعبية الجزائرية المقدرة ب19 و13 على التوالي، حسب النتائج التي أعلن عنها أمس، وزير الداخلية والجماعات المحلية نور الدين بدوي. وبالمقارنة مع النتائج المسجلة في البرلمان المنتهية عهدته، فإنه يمكن القول إن الخارطة السياسية لم تعرف تغيرا عميقا من حيث المراتب. حيث حل التيار الوطني بقيادة حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي في المرتبتين الأولى والثانية، مثلما كان الحال عليه في 2012 لكن باختلاف في عدد المقاعد التي انخفضت لدى الأول وارتفعت لدى الثاني، وحلّت الأحزاب الإسلامية في المرتبة الثالثة من خلال تحالف حركة مجتمع السلم الذي يضم الأخيرة متحالفة مع جبهة التغيير والذي حصل على 33 مقعدا، ليأخذ نفس المرتبة التي كان تكتل الجزائر الخضراء الإسلامي قد تحصل عليها في 2012، بتمكنه من الاستحواذ على 47 مقعدا. لكن إذا ما أضفنا التحالف الإسلامي الثاني الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء المتكون من أحزاب النهضة والعدالة والتنمية وحركة البناء الوطني التي تحصلت على 15 مقعدا، إضافة إلى حركة الإصلاح الوطني التي تحصلت على مقعد واحد، فإن ذلك يعني أن التيار الإسلامي حصل على 49 مقعدا في هذه التشريعيات، مسجلا تراجعا ب9 مقاعد، إذ تحصلت أهم الأحزاب الإسلامية مجتمعة في 2012 على 58 مقعدا. وحقق الأحرار نقلة نوعية بعد أن انتقل ترتيب القوائم الحرة من المرتبة الخامسة في 2012 ب19 مقعدا إلى المرتبة الرابعة في هذه التشريعيات ب28 مقعدا برلمانيا، وتمكن تجمع أمل الجزائر الذي يشارك لأول مرة في الانتخابات منذ اعتماده، من تحقيق نتيجة ايجابية بتحصله على 19 مقعدا والمرتبة الخامسة من حيث تمثيل الأحزاب. وحققت جبهة المستقبل قفزة في عدد المقاعد منتقلة من مقعدين فقط في 2012 إلى 14 مقعدا في 2017، مما سمح لها بالارتقاء من المرتبة 18 إلى المرتبة السابعة في ترتيب النتائج الأولية، بدورها ارتقت الحركة الشعبية الجزائرية من حيث عدد المقاعد المتحصل عليها التي بلغت 13 مقابل 6 مقاعد فقط في 2012، بالرغم من احتفاظها بنفس المرتبة أي التاسعة. أما بالنسبة للأحزاب ذات التمثيل القوي بمنطقة القبائل، أي جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، فإن الملاحظ أنها لم تسجل نتائج قوية في هذا الاستحقاق، حيث اكتفى الأرسيدي ب9 مقاعد فقط وهو الذي قاطع تشريعيات 2012- فيما تراجع الأفافاس بصفة معتبرة منتقلا من المرتبة الرابعة ب21 مقعدا في 2012 إلى المرتبة الثامنة ب14 مقعدا فقط في 2017. نفس التراجع سجله حزب العمال الذي اكتفى ب11 مقعدا وبالمرتبة العاشرة هذه المرة، مقابل 17 مقعدا والمرتبة السادسة في 2012. تراجع آخر سجلته الجبهة الوطنية الجزائرية لكن بدرجة أكبر، حيث انخفض عدد مقاعدها من 9 إلى مقعد واحد فقط! وأحدث التحالف الوطني الجمهوري مفاجأة في هذه التشريعيات بعدما تمكن من الحصول على 8 مقاعد بعيدا عن نتيجته السابقة المقدرة ب3 مقاعد، مما أهله لاحتلال المرتبة ال12 ضمن مجموع الأحزاب المتحصلة على مقاعد. وتفاوتت نتائج ما يسمى ب«الأحزاب الصغيرة» بين متراجع عن مكاسبه الماضية ومحقق لمكاسب جديدة في هذه التشريعيات، وهو ما لوحظ على سبيل المثال لدى حزب الفجر الجديد الذي تراجع بصفة معتبرة هذه المرة بعدما اكتفى بمقعد واحد فقط مقابل 5 مقاعد والمرتبة العاشرة في 2012، كما سجل تراجع الحزب الوطني للتضامن والتنمية والتجمع الجزائري والجبهة الوطنية للعدالة الاجتماعية وعهد 54 واتحاد القوى الديمقراطية الاجتماعية، وتقدم كل من حزب الكرامة وحزب الشباب وحركة الوفاق الوطني.