أثار الإعلان عن قائمة جنود كتيبة الوزير الأول الجديد عبد المجيد تبون، العديد من الاستفهامات والتساؤلات، بداية من لون الحكومة الجديدة التي غابت عنها الصبغة السياسية، مرورا بسر محو آثار الوزير الأول السابق عبد المالك سلال، والاستعانة بالولاة وعودة بعض الأسماء المرحلة سابقا، وصولا إلى قدرة الأسماء المعينة في الوزارات المحورية ضمن ما يعرف ببرنامج الرئيس على "ملء كراسيها" والحفاظ على مردودية هذه القطاعات، والتي لخصها الوافد الجديد على قصر الحكومة في السكن والصحة والتربية. رغم مرور ثلاثة أيام عن إعلان التشكيلة الحكومية الجديدة، إلا أن القراءات والتساؤلات مازالت تلاحقها، وإن كان الإعلان عنها قدم جوابا شافيا ووافيا عن ملامحها وصبغتها التي جاءت بعيدة كل البعد عن الصبغة السياسية لدرجة أن المدرسة العليا للإدارة كانت أكثر تمثيلا واقتطع سلك الولاة الحيز الأكبر ضمن الجهاز التنفيذي، وخرجت الأحزاب السياسية بما فيها أحزاب الموالاة تقريبا "خاوية" الوفاض من "عرس" التشريعيات، فلم تكتف السلطة بعقاب المواطن فزادت حزبيها عقابا وأرجعتهما إلى حجمهما الطبيعي فتصدقت على حزب الأغلبية بست حقائب وزارية في حال احتسبنا حقيبة الوزير الأول، أما القوة السياسية الثانية صاحبة ال100 مقعد في المجلس الشعبي الوطني الأرندي فلم تجد عليه سوى بثلاث حقائب، فضلت أن تحملها نفس الأسماء السابقة.
الولاة أكبر الرابحين.. لكن في مقابل حقائب الأرندي الثلاثة، نجد سلك الولاة اقتطع حيزا أكبر وحجز مكانا له في أربعة قطاعات وزارية، وأي قطاعات، فإن لم تكن تحمل صفة السيادية، فيصح أن نطلق عليها تسمية، القطاعات الإستراتيجية بامتياز، نظرا لأهميتها في توفير الخدمة للمواطن، هذه الأهمية جعلت المتابعين للشأن الحكومي يطرحون 4 أسئلة جوهرية، أولها يخص وزير السكن والعمران الجديد يوسف شرفة الذي شغل منصب والي ولاية عنابة، قادما إليها من ولاية الأغواط، معلومات رسمية من مقر وزارة الداخلية، تؤكد أن الرجل طلب إعفاءه من منصبه كوال، عدة مرات ولوّح بالاستقالة عندما حاصرته الاحتجاجات بولاية الأغواط بسبب قوائم السكنات الاجتماعية، لولا تدخل وزير الداخلية يومها، فهل فعلا بإمكان شرفة أن يملأ مكان تبون في وزارة السكن، بعد أن تمكن هذا الأخير من جعل هذا القطاع الشغل الشاغل للجميع، وقرابة نصف مليون جزائري مكتتب ضمن "عدل" وصيغ أخرى دخل طابور الانتظار، يتابع كل صغيرة وكبيرة في هذا القطاع الذي يحتاج إلى "كاريزما" في التسيير ورجل قوي قوة الأغلفة المالية التي تعد وقودها الأساسي. ثاني سؤال يتعلق بوزارة التجارة والتي تشهد عهدا جديدا، بسبب الرهان الكبير الملقى على عاتقها والمتمثل في خفض فاتورة الاستيراد، مهما كان الأمر، سلمها عبد المجيد تبون إلى والي ولاية تلمسان ساسي أحمد عبد الحفيظ، هذه الشخصية المسالمة جدا، التي تفتقد "كروموزمات" الصدام والمواجهة، كيف لها أن تجابه "بارونات" الحاويات وأخطبوطات الاستيراد، ناهيك على أن جبهة الرجل مع نظام الرخص المفروض على 26 منتوجا، لن تكون داخلية فقط، وإنما ستكون خارجية وبين الفينة والأخرى سيطرق أبوابه سفراء الدول المعنية باتفاقيات الشراكة التي وقعتها الجزائر مع الإتحاد الأوروبي، والمنطقة العربية الحرة وغيرها.. فهل لوالي تلمسان السابق أن يصمد أمام قطاع يعاني الكثير من الضغط الداخلي والخارجي، دون أن نضيف إليه صداع فوضى الأسواق والمضاربين وغيرها؟
قطاعات ملغمة بوزراء أقلّ خبرة ثالث سؤال يتعلق بوزارة النقل والأشغال العمومية التي يحصي كل قطاع منها عشرات القطاعات الثانوية، فإن كان الوافد الجديد على مبنى الوزارة عبد العني زعلان، قدم دليل كفاءته من خلال الواجهة التي أصبحت عليها ولاية وهران اليوم، فجمع الوزارتين يحتاج إلى جهد خرافي وأموال طائلة حتى يصلح حال شبكة طرقاتنا ووضعية موانئنا، والنقل البري والجوي والبحري، ناهيك عن وضعية الشركات التابعة للقطاع، فهل سيتمكن زعلان من تخطي عقبة النقل والأشغال العمومية بسلام. والي ولاية البليدة السابق عبد القادر بوعزقي، الذي شكل تعيينه وزيرا للفلاحة صدمة لسكان هذه الولاية، الذين تمكن من انتزاع ثقتهم، مهمته ليست سهلة أيضا، فقطاع الفلاحة يعتبر من القطاعات البديلة عن المحروقات، إلا أن غياب استراتيجية واضحة تحكمه إلى اليوم جعلته يتخبط، وأحيانا يدخل في رحلة بحث عن صلاحياته التي في الغالب تستحوذها وزارة التجارة أحيانا، وأحيانا أخرى تكون بين أيدي الخواص على اعتبار أن الوزارة تحصر نفسها في زاوية المتابعة. قطاعان آخران يثيران الكثير من الجدل حول مصيرهما، الأول يخص قطاع الصناعة والمناجم، والثاني قطاع السياحة، وإن كان القطاع الأول عين على رأسه دكتور في مجال الاقتصاد ويتعلق الأمر بمحجوب بدة، رئيس لجنة المالية السابق الذي تمرّس بإشرافه على مناقشة هذا القانون لأكثر من مرة، وأبان شراسة في الدفاع عن تدابيره، سيجد نفسه أمام ملفات استثمار كبرى وحسابات أكبر، فقطاع السياحة الذي ظلت نسبة مساهمته في الدخل الوطني خارج الحسابات، رغم أهميته يثير الحيز الأكبر من التساؤلات بسبب تعيين على رأسه وزير لم يسبق له وإن اشتغل، فمسعود بن عقون لا تحمل سيرته الذاتية أية وظيفة سابقة، كما لم يحمل من قبل كشف راتب عدا النضال ضمن تنظيم طلابي تمثيله ضيق جدا، فهل ستكفي شهادات الشاب المحظوظ الذي سيحمل لأول مرة كشف راتب وزير للنهوض بقطاع السياحة الغارق في سبات طويل. بعيدا عن كل هؤلاء وإمكانيات كل وزير من الوزراء، ومدى انسجام الطاقم وكفاءة كل واحد، تبقى مهمة الحكومة الجديدة صعبة جدا، بالنظر للظرف المالي للبلاد والذي سيحصر جهودها في كيفية إطالة عمر مخزون احتياطي الصرف وترقب مردودية المشاريع الصناعية والفلاحية الأخيرة، المناورة، وفي انتظار كشف الوزير الأول الخطوط العريضة لخطة عمل حكومته، تبقى المادة 65 من قانون المالية تضمن لتبون هامش المناورة من خلال لعب ورقة تحويل الإعتمادات المالية من قطاع إلى قطاع حسب الأولويات التي تحملها الحاجة.