بعض النفسيات المتهورة التي مردت على العصيان، لا يمكن أن يستقيم حالها إلا بالصيام، لأن الصيام يكبح جماح النزوات البشرية العاتية التي تجعل من الإنسان ماردا أو عنصرا متمردا يستمرئ كل ما يخالف الفطرة مما نراه في حياة الناس من سلوكات طائشة لا يسلم منها أحد، سلوكات أقل ما يقال عنها إنها صورة دونية لا تليق بالإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم، ولكنه لا يفتأ يبتعد عن هذه الصورة القويمة ليرتمي في حمأة البهيمية التي يموت فيها كل سمت فطري وشعور إنساني لينقلب مخلوقا آخر من جنس من نعتهم القرآن الكريم بالذين ارتكسوا إلى "أسفل سافلين" لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا. لو يدرك المسلم والمتدين بصفة عامة والعالم بصفة أعمّ في عهد الانفلات النفسي ما في رمضان من قدرةٍ عجيبة على ضبط السلوك البشري لتمنى الجميع أن يكون رمضان دينهم على سبيل العبادة أو حتى ديدنهم على سبيل العادة، وحسبنا أن نقرأ ما كتبه علماء النفس عن الحالة النفسية المستقرة التي يكون عليها الإنسان في حالة الصيام؛ حالة تسكن فيها النفس وتهدأ فيها الأعصاب وتتغلب فيها الإنسانية العاقلة على البهيمية المارقة، وكل هذا ثمرة من ثمرات الصيام، وتجسيد وتأكيد لما ورد في الحديث القدسي: "عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ". إننا إذا أدركنا حجم المنافع التي تحصل في مجتمعاتنا في حالة التزامنا بآداب الصيام الذي كتبه الله علينا كما كتبه على الذين من قبلنا، فسندرك في الوقت نفسه أن الصيام حصن لنا من كثير من الجرائم التي تنتشر بيننا وفي العالم من حولنا، وسنعرف ونعترف أخيرا بأن الصيام هو الحل.