تحيي الجزائر اليوم ذكرى تأميم المحروقات الموافقة ل24 فيفري من كل عام، وهي تسير بخطى ثابتة نحو ترسيخ مكانتها في سوق الطاقة العالمية، برؤية جديدة تواكب التغيرات المتسارعة التي يشهدها هذا المجال، من خلال العمل على تأكيد مبدأ سيادتها على مواردها وجعلها في خدمة شعبها من جهة، والتكيّف مع الحاجيات الجديدة التي تستجيب للالتزامات الدولية في مجال المناخ بالتعاون مع شركائها من جهة أخرى. تحل الذكرى 54 لتأميم المحروقات هذه السنة في ظرف يتميز ببروز الطلب على موارد طاقوية جديدة، تناسب التطلّعات التي تبنّتها أغلب دول العالم لمواجهة التغيرات المناخية، والأكيد أن الجزائر التي رفعت لواء "التأميم" لاسترجاع سيادتها كاملة على ثروتها النفطية والغازية في سبعينيات القرن الماضي، مدركة حينها أن المحروقات ستكون سندها لتحقيق تنميتها الاجتماعية والاقتصادية وتوفير الرفاهية للشعب الذي عانى لعقود من الحرمان تحت نير الاستعمار الفرنسي، ترافق اليوم التطوّرات الحاصلة بفضل تنوّع ثرواتها الطاقوية وتوفّرها على موارد بشرية ذات كفاءة عالية، تسمح لها بأن تظل فاعلا مهما في المشهد الطاقوي المستقبلي. ففي مجال النفط، استمرت الجزائر في لعب دور محوري من خلال نشاطها ضمن منظمة الدول المصدّرة للنفط وكذا مجموعة "أوبك+"، التي استطاعت في السنوات الأخيرة فرض نفسها كمحرك للسوق النفطية العالمية ولتوازناتها، كما دعمت اكتشافاتها ب15 بئرا جديدة في 2024 جميعها بسواعد سوناطراك. واستطاعت الجزائر من جانب آخر أن ترسّخ مكانتها كمصدر موثوق وآمن للغاز نحو السوق الأوروبية في المقام الأول بشهادة زبائنها، كما استطاعت اقتحام أسواق جديدة بتطوير أسطول ناقلاتها للغاز المسال، لتحتل مرتبة متقدّمة ضمن قائمة المصدّرين، وتم ذلك بفضل مواصلة مجهودات الشركة الوطنية للمحروقات "سوناطراك" في مجالات الاستكشاف والإنتاج، حيث توالت الاكتشافات المحقّقة في السنوات الأخيرة، كما تجدّد العهد مع توقيع اتفاقيات جديدة مع أهم الشركات العالمية بفضل قانون المحروقات المعدل، التي فتحت الباب أمام بداية الاستكشاف في مناطق جديدة من بينها عرض البحر، ومن تم الذهاب نحو رفع الإنتاج إلى مستوى 100 مليار متر مكعب سنويا كما دعا إليه رئيس الجمهورية. وتنعكس هذه الجهود على الحياة اليومية للمواطنين ليس فقط بفضل الجباية البترولية التي تمثل 86% من الجباية المتوقعة في قانون المالية 2025، وإنما كذلك من خلال تحسين إنتاج الكهرباء والتوزيع العمومي للغاز، حيث رفع مجمّع سونلغاز القدرة الإنتاجية للكهرباء إلى 26 ألف ميغاواط خلال عام 2024، في حين بلغ إنتاج الكهرباء نحو 74 ألف جيغاواط\ساعة خلال التسعة أشهر الأولى من نفس العام، بزيادة قدرها 5% مقارنة بالعام السابق، وبذلك يصل معدل التغطية بالكهرباء على المستوى الوطني إلى 99%، فيما بلغت نسبة التغطية بالغاز 70% . وعلى الصعيد الإقليمي، رافعت الجزائر من منابر دولية وإقليمية أبرزها قمة الغاز التي عقدت في مارس الماضي ببلادنا، لصالح اعتماد الغاز كمورد أساسي لتحقيق التحوّل الطاقوي، وإرساء حوار بين المنتجين والمستهلكين يسمح بتشكيل فضاء مشترك يحمي مصلحة الطرفين ويخدم المصلحة العامة للكوكب، وذلك ضمن التوجّهات الجديدة للتقليل من البصمة الكربونية، والتي تعمل عليها بلادنا بجدية من خلال تسويق نفسها كبلد رائد في السوق الطاقوية المستقبلية. فإمكانيات الجزائر اللامتناهية في مجال الطاقات المتجدّدة بكل فروعها (طاقة شمسية كهروضوئية، طاقة الرياح، الطاقة الحرارية)، إضافة إلى الهيدروجين الأخضر الذي يعد بالنسبة للقطاع الورقة الرابحة التي يعوّل عليها للبقاء على رأس مموّني القارة الأوروبية بالطاقة لعقود قادمة، كما لا يمكن أن ننسى مجال المناجم الذي يتّجه نحو منحى جديد ينتظر منه تحويل الجزائر إلى قوة في المجال المعدني الخام وفي الصناعات التحويلية ولاسيما في البتروكيمياء وفي بعض الصناعات المستقبلية الهامة مثل البطاريات المصنوعة من الليثيوم، فضلا عن مشاريع تحلية مياه البحر التي تؤهّل الجزائر لتحقيق أمنها المائي. وسجّل تطوّر ملحوظ خلال السنة الجارية في هذه المجالات ميدانيا، برز خصوصا في بداية تجسيد مشاريع الطاقة الشمسية بعد إطلاق مناقصتين وطنيتين ودوليتين العام الماضي لإنتاج 3200 ميغاواط من الكهرباء في 2024، كما تمّ الشروع في تجسيد أولى مراحل إنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر بفضل توقيع اتفاق حول الممر الجنوبي مع كل من تونس وإيطاليا والنمسا وألمانيا، موازاة مع توقيع اتفاقية لتحيين الدراسة حول إنجاز أنبوب الغاز العابر للصحراء من نيجيريا إلى الجزائر عبر النيجر، وتوقيع اتفاقية مع شيفرون الأمريكية لاستكشاف احتياطات الجزائر من المحروقات في عرض البحر، فضلا عن الاتفاق على الربط الكهربائي مع أوروبا. كلها مشاريع تعكس بوضوح أن الجزائر ستبقى رقما مهما في المعادلة الطاقوية العالمية، بالرغم من كل التحوّلات المرتقبة، التي استطاعت الجزائر توظيفها لصالحها.