طرحت زيارة حركة المؤسسات الفرنسية (ميداف) إلى الجزائر نهاية الأسبوع، العديد من الأسئلة حول خلفيات هذه الزيارة التي جاءت في وقت يطبعه الكثير من الجدل بين فرقاء المشهد السياسي حول الانتخابات الرئاسية المرتقبة ربيع العام المقبل. وتزامنت هذه الزيارة، التي حظيت بتغطية لافتة واهتمام بالغ من قبل الإعلام الجزائري وتجاهل شبه تام من قبل نظيره الفرنسي، مع السجال الدائر على مستوى حزب جبهة التحرير الوطني، الذي قرر أمينه العام، جمال ولد عباس، إحالة النائب بهاء الدين طليبة، على لجنة الانضباط، بسبب إعلانه عن تشكيل تنسيقية وطنية لدعم ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة، في موقف قال ولد عباس إنه يتعارض وتوجهات "الحزب العتيد" في الوقت الراهن. وال "ميداف" هي هيئة تضم رجال الأعمال والشركات الفرنسيين، وهي تشبه منتدى رؤساء المؤسسات في الجزائر، ولها تأثير كبير على صناعة القرار بشقيه السياسي والاقتصادي في فرنسا، وقد سبق لها أن دعمت في العام 2007 ترشح الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي، الذي فاز في السباق نحو قصر الإيليزي، فيما وقفت في طريق مرشحي الجبهة الوطنية الفرنسية، مارين لوبان ووالدها.. وتبقى ال "ميداف" قريبة من اليمين رغم دعمها للرئيس السابق، فرانسوا هولاند. ما تم تداوله من قبل وسائل الإعلام عن زيارة "المجلس الوطني للباترونا في فرنسا"، مثلما كانت تسمى قبل العام 1998، لم يخرج عن الشق الاقتصادي، وقد جسد هذا تصريحات بعض المسؤولين الجزائريين، الذين استقبلوا رئيس ال "ميداف" بيار غطاز، وعلى رأسهم الوزير الأول، أحمد أويحيى، ووزير الصناعة والمناجم، يوسف يوسفي، غير أن ما يقال للصحافة لا يعكس حقيقة ما يدور في الجلسات المغلقة. الزيارة التي دامت يومين انتهت بالتوقيع على اتفاقيات تجارية واستثمارية بين البلدين، فضلا عن قرار من الوزير الأول أحمد أويحيى بإنهاء مشاكل تتعلق بتسديد المستحقات العالقة لبعض الشركات الفرنسية العاملة في الجزائر، من الأموال التي مصدرها "التمويل غير التقليدي"، الذي أثار جدلا كبيرا خلال مناقشة قانون المالية 2018، بحسب قاسي آيت يعلى رئيس غرفة التجارة والصناعة الجزائريةبباريس. ويؤشر هذا المعطى على أن رجال الأعمال الفرنسيين عادوا إلى بلادهم وهم راضون عن هذه الزيارة، التي شهدت تدخل أويحيى لحل أزمة المستحقات العالقة للشركات الفرنسية، فضلا عن معلومات أخرى تتحدث عن تخصيص "كعكة" للشركات الفرنسية العاملة في قطاعات مثل الأشغال العمومية النقل وتحلية المياه والطاقات المتجددة، وهي معطيات من شأنها أن تساعد الطرف الفرنسي على بلورة موقف أولي بشأن الفارس الذي ستراهن عليه باريس في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وتبقى الأشهر القليلة المقبلة بمثابة الفرصة الأخيرة لاستكمال بلورة الموقف الفرنسي من موعد الربيع المقبل، فحركة المؤسسات الفرنسية (ميداف) برمجت زيارة أخرى إلى الجزائر في ديسمبر المقبل، والذي يعد آخر منعرج قبل الوصول الى الحسم في هوية مرشح السلطة، وقبل ذلك ينتظر أن يقوم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بزيارة دولة، ستكون كفيلة برسم الخطوط العريضة للكيفية التي ستتعاطى بها باريس مع الاستحقاق الرئاسي المقبل. ومعلوم أن الانتخابات الرئاسية في الجزائر كما في غيرها من الدول التي في حجمها، تتشابك فيها العديد من العوامل الداخلية والخارجية، في حين تبقى الجبهة الداخلية هي المحدد الفعلي إذا عرفت كيف تحيد البعد الخارجي بتماسكها.