في أثناء عملي كسفير بالعراق وسوريا، قمت بجمع الشعر العربي الذي قيل في الثورة الجزائرية من أقطار عربية ثلاثة هي العراق وسوريا والسودان، وكانت الحصيلة 468 قصيدة أنشدها 181 شاعرا وشاعرة. منها 35 قصيدة في المناضلة جميلة بوحيرد، وقد نشرت في ثلاثة مجلدات من 2020 صفحة. وأنا أعتز بهذا العمل أكثر من اعتزازي بعملي كسفير. عندما اعتقلت جميلة وعذبت خرج الطلبة بدمشق في مسيرة توجهوا إلى الليسيه الفرنسي الذي حمل اسم (جان دارك) فحطموا تمثالها المنصوب في مدخله، ونزعوا اللوحة التي عليه ونصبوا فوقه اسم جميلة بوحيرد. وقد أتيح لي أن أجمع عشرات القصائد التي قيلت فيها (35 قصيدة)، وقد رأيت أن أقدم للقراء جزء من قصيدة الشاعر العراقي بدر شاكر السياب ذات المائة بيت، لتضمنها لأبيات تعبر عن أوضاع العرب الآن، فالسياب كان يقصد بها أوضاع العراقيين تحت حكم حلف بغداد،.؟'، بلى، لنقرأ سويا هذه الأبيات الرائعة للشاعر الكبير، نكتشف من خلال كلماتها، كيف كانت جميلة تؤدي دورها كموقدة الثورة بين الشباب العربي من المحيط إلى الخليج. يقول السياب: عَشْتارُ أمُّ الخِصبِ والحب والإحسان تلك الربّةُ الوالههْ لم تُعطِ ما أعطيتِ لمْ تروِ بالأمطار ما رَوَّيتِ قلبَ الفقيرْ يا أختنا المشبوحَةََ الباكيهْ أطرافُكِ الداميهْ يقطُرن في قلبي و يبكين فيهْ لم يلقَ ما تلقينَ أنتِ المسيحْ أنت التي تَفدين جرحَ الجريحْ أنت التي تُعطينَ لا قبضَ ريحْ يا أختنا يا أمَّ أطفالنا يا سقفَ أعمالِنا يا ذُروةً تعلو لأبطالنا ما حزّ سوطُ البغْيِ في ساعديكِ إلا و في غيبوبة الأنبياءْ أحسستُ أن السَّوطَ أن الدِّماءْ أنّ الدُّجى أن الضحايا هَباءْ من أجل طفلٍ ضاحكتْه السماءْ فرحانَ في أرضهِ أحسسته يَحبو على راحتيْكِ يهتف يا جميلهْ يا أختى النبيلهْ يا أختي القتيلهْْ تَعلو بك الآلامُ فوقَ الترابْ فوق الذُّرى فوق انْعِِقادِ السحابْ تعلين حتى محفل الآلههْ كالربة الوالههْ كالنسمة التائهة لا تَسمعيها إنّ أصواتَنا تُخزى بها الريحُ التي تَنقلُ باب علينا من دم مقفلُ و نحن نُحصي ثَمَّ أمواتنا الله ، لولا أنتِ يا فاديهْ ما أثمرت أغصانُنا العاريهْ أو زنبقت أشعارَنا القافيهْ إنا هنا في هوة داجيهْ ما طاف لولا مقلتاك الشعاعْ يوما بها نحن العراة الجياعْ لا تسمعي ما لفقوا ما يذاعْ ما زينوا ما خط ذاك اليراعْ إنا هنا كُومٌ من الأعظُمِ لم يبق فينا من مَسيل الدمِ شيء نروّي منه قلب الحياةْ إنا هو الموت حُفاةٌ عراةْ لا تسمعيها إن أصواتنا تُخزى بها الريحُ التي تَنقلُ باب علينا من دم مقفلُ و نحن في ظلمائنا نسألُ من مات؟ من يبكيه؟ من يُقتلُ؟ يا نفحةً من عالَم الآلههْ هبّت على أقدامنا التائههْ لا تمسحيها من شواظ الدماءْ إنا سنمضي في طريق الفناءْ و لترفعي اوراسَ حتى السماءْ حتى تُروّى من مسيل الدماءْ أعراقُ كل الناس كل الصخورْ حتى نمسّ اللهْ حتى نثور.ْ الشاعر العراقي شفيق الكمالي تذكره جميلة بخولة بنت الأزور فيقول: لكن جدتي لا تسمع الأخبار لم تدر أنّ خَوْلة عادت إلى الوجود بزندها الأسمر لكنهم يدعونها جميله تعيش في قلب الثرى الأحمرْ حمامة سجينه ما أروع السجينه ما أروع الصمود من جميله. والشاعر العراقي صالح الجعفري يتغنى بمجاهدات الجزائر في قصيدة عنوانها فتيات الجزائر: أقسمن بالروح الشهيدة طوقت عنْقَ الشهيدِِ أقسمن بالدم زاكيا يجري على وجه الصعيدِِ أقسمن بالمذبوح حُزّ من الوريد إلى الوريدِ بالطفل يُفحص داميا بالشيخ كُبّل بالقيودِ أن لا تباعَ كرائم الأحرار في سوق العبيدِ والشاعر العراقي صالح الظالمي يقول إن جميلة صارت فكرة والفكرة تبقى خالدة أبد الدهر: كبِّلوها... أوثقوا أذرعها بالقيد قسوا حمّلوها كل ما يرهقها همّا وبلوى اصنعوا ما شئتمُ فيها.. وزيدوا دون جدوى إنها الفكرة.. والفكرة عنفٌ ليس يُلوى والشاعرة العراقية صبرية الحسّو تقول إن أمة العرب تفخر بأن فيها جميلة: ويا أمتي فاخري ففيك جميله هتاف الملايين عاشت جميله هناك بأوراسَ ألف جميله وفي كل أرض بلوح جميله تلوح للصامدين الأباةْ فلبّيك لبيك أنت البطوله ستبقين ذكرى جميله نرددها في الليالي الطويله فتبعث فينا الحياةْ وتُلهب نفْح البطوله والشاعر العراقي ضياء الدين الخاقاني في قصيدة عنوانها ( إلى كل جميلة في فلسطين) يختمها فيقول: دمعةُ أضرمت الغاصب قد أوغل في أرض الجزائرْ ودمٌ غازله رمل فلسطينَ نجومنا من مفاخرْ والشاعرة العراقية نازك الملائكة تقول إن كل الحناجر العربية تغني جميله وأنتِ حملت القيود الثقيله وحين تحرّقتِ عطشى الشِّفاهِ إلى كأسِ ماءْ حشدنا اللحونَ وقلنا سنسكبها بالغناءْ ونشدو لها في الليالي الطويلهْ الشاعر السوري حنّا الطباع يقول في جميلة بوعزة: لبّيكِ يا رمز الجهاد وعِزة العرب الأصيلة والشاعر السوري الكبير سليمان العيسى يقول في جميلة: وأنت يا أسطورة الصحراء، يا نداءْ ما زال في قلوبنا يفجر الضياءْ يا نجمة الصبح أنارت الصباحْ والشاعر السوري محمد الحريري له قصيدة عنوانها جميلة وجاكلين الفدائية الفلسطينية، يربط فيها بين النضال الجزائري والنضال الفلسطيني، فيقول: وجهان محجوبانْ براحة القضبانْ ضاء بكل منهما على الدياجي بسمتانْ والشاعر السوداني محمد عثمان كجراي يقول في جميلة إن نضالها فجر أضاء كل بلد عربي: وهكذا تمضين يا جميلهْ لعالم الضياء في إغفاءة طويله لو لم تكوني حرة نبيله لما أطل الفجر في بلادنا وانبثقت أشعة النهارْ لو لم تكوني حرة نبيله لما استفاق الصبح في ربوعنا الخلاصة: إن اسم جميلة تردد في سائر الأقطار العربية مع تردد ثورة الجزائر التي يعتبرها العرب مفخرة للعرب بل وللإنسانية، فالشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري يرى أن ثورة الجزائر جعلت الأمة العربية مبدعة، يسمى الجزائر (جزر المغرب)، يقول: جزر المغرب يا أسطورةً تُلبس الأهوال لونا ممتعا الأذى تدفع عنه بالرّدى طاب أسلوبا لها مبتدعا أمة سوف تُري خالقَها أنها قد خُلقت كي تُبدعا