بعد 48 عاما من استرجاع الجزائر لاستقلالها ما يزال هناك من يشكك في ذلك، وكأن 132 سنة من الاستدمار غير كافية للشعب ليتمتع بحريته كاملة، ويتخذ قراره بسيادة. حماية الاستعمار أم أبنائه في الجزائر من يقرأ "الجزء الأول" من إعلان الضمانات المتعلق ب (حماية الأفراد) يجد النص التالي: "لا يمكن مضايقة أي فرد أو البحث عنه أو الحكم عليه أو إنزال عقاب به أو اتخاذ إجراء تأديبي ضده أو أي إجراء معين للأحداث التي وقعت في الجزائر من أول نوفمبر 1954 حتى إعلان وقف إطلاق النار". (سعد دحلب. المهمة منجزة ص 301. النص الكامل لإتفاقيات إيفيان( والسؤال الجوهري: أين هو "العفو العام" الذي يتداول في كواليس الحكومة وبعض الكتل البرلمانية حتى لا يمرر قانون تجريم الاستعمار. أولا: هناك من يخلط بين تجريم الاستعمار وتجريم الأشخاص، ومادامت اتفاقيات إيفيان مرتبطة ب7 سنوات فقط، ألا يحق لنا أن نجرم الأشخاص الذين ارتكبوا مجازر في الجزائر ما بين 1830 و1954؟ ومع ذلك، لا نفكر في تجريم الأشخاص وإنما في تجريم الفكر الاستعماري للدولة الفرنسية التي احتلت الجزائر 132 سنة. ثانيا: وهذا الخلط وقع كذلك في مفهوم المصالحة الوطنية والعفو الشامل، فالمصالحة لا تعني محو الجرائم المرتكبة في حق الشعب، وإنما "طي الملف"، والعفو الشامل لا يمنعنا من إدانة الإرهاب وتجريم الفكر الإرهابي في الجزائر. وإذا كان الفكر الإنساني يجرم الاحتلال والإبادة فإن من يعترض على استصدار قانون يجرم الاستعمار لا نستطيع أن نعده من أبناء هذا الوطن، ومن أبناء الشعب الجزائري، وإنما هو مدنس بيننا وعلينا بكشفه للرأي العام. إن من ينكر جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر طيلة 132سنة إنما هو من بقايا الاستدمار، ولا يحق لنا أن نسميه ممثلا للشعب الجزائري في البرلمان أو في الحكومة. لسبب بسيط وهو أن من يرفض تجريم الجريمة هو المجرم فقط، أما الإدعاء باحترام الاتفاقيات الدولية فلا أساس له من الصحة، لأن ديبلوماسية الدولة الجزائرية منذ نشأتها قبل الاحتلال الفرنسي لها في 5 جويلية 1830، ومنذ استرجاع سيادتها في 5 جويلية 1962 لغاية اليوم قاعدتها هي احترام الاتفاقيات الدولية، ومن يقرأ قصص الأسرى الأمريكان في الجزائر (1785 - 1797) يكتشف قوة الدولية الجزائرية، ففي رسالة من كل الضباط الأمريكيين الأسرى إلى العقيد دافيد همغريز في 19 ديسمبر 1793 "لقد كتبنا ووقعنا عريضتين، واحدة إلى مجلس الشيوخ والأخرى إلى مجلس النواب.. آملين أن الولاياتالمتحدة ستوفر المبالغ المالية بكاملها لتخلصنا من العبودية والعودة بنا إلى بلدنا، وأسرنا وأصدقائنا وأقاربنا" (جامس ويلسون ستفنس، الأسرى الأمريكان ترجمة تابليت ص271) وبالرغم من هذه القوة التي كانت للجزائر فقد كانت مشهورة بوفاتها بالتزاماتها ومعاهداتها الدولية، ولأن هناك تأويلا خاطئا لاتفاقيات إيفيان، فقد التزمت الجزائر بالمادة 16من الباب الرابع التي تقول: "تسهل الجزائر عملية دفع المعاشات المستحقة على فرنسا للمحاربين القدماء والمتقاعدين" دون أن تجبر أصحابها على استلامها بالدينار الجزائري، وهو يدل على أن المستفيدين من هذه المنح لهم "يد" في "السلطة" في حين لا يسمح القانون الجديد بدخول العملة الصعبة للبنوك الجزائرية! كما أن المادة 19 من الباب نفسه فسرت خطأ، حيث قامت بعض المحاكم الجزائري ب (إعادة الأملاك) إلى الفرنسيين، في حين أن النص صريح: "تنقل عقارات الدولة في الجزائر إلى الدولة الجزائرية". وكأن المعمرين الفرنسيين الذين رفضوا الجنسية الجزائرية والعيش في الجزائر ليسوا من الدولة الفرنسية و المحتلة. إذا كانت "اتفاقيات إيفيان" تسمى الثورة الجزائر ب "الأحداث" التي وقعت خلال (1954 1962) والمؤرخون الفرنسيون يسمونها حربا، فمن الضروري توضيح المفاهيم للناس. لقد نصت وثيقة الإستسلام لفرنسا الموقعة في 5 جويلية 1830 على أن يتضمن القائد العام "ممارسة الدين المحمدي" وألا تتعرض "حرية الأهالي من كل طبقات المجتمع ودياناتهم وأملاكهم وتجارتهم وصناعتهم لأي مساس، وستُحترم نساؤهم، ويتعهد القائد العام بذلك بشرفه". (عمار حمداني، حقيقة غزو الجزائر ص 218). فأي شرف لقادة فرنسا الذين ألحقوا الجزائربفرنسا وسلبوا سكانها جميع حقوقهم؟ لكن الدرس الذي يبقى عالقا في الذهن جاء في محاضر المحاكمة الكبرى للمنظمة السرية في 6 مارس 1951، حيث ورد في فقرة من الحيثيات مايلي: "دروس التاريخ تعلم أن الآراء وحدها غير كافية في القتال. لأن الرجال هم الذين يكونون القوة، يهدمون إذا كان القصد هدم قوة العدو التي هي ليست مجردة ولكنها تمثل في كل مكان جهاز الطغيان. (عبد القادر وقواق، المرافعة الكبرى ص 132( ولهذا أضم صوتي إلى صوت مؤرخنا أبي القاسم سعد الله الذي يقول "إذا كان تاريخ الجزائر هو ما نقرأ عنه في الصحف وما نسمعه من شهادات أحيانا، فإنه سيكون لا محالة تاريخا مشوها يفتقر إلى المصداقية والنزاهة، ترى لماذا لا نتعلم من تجارب الأمم وتعاقب الحضارات". ولماذا لا يقتدي البرلمان الجزائري بنظيره الفرنسي، وهو الدفاع عن فرنسا، مادام لا يستطيع أعضاؤه المساس بماضي فرنسا الاستعمارية. ومادمنا نستورد كل شيء من فرنسا فلماذا لا ندافع عن الثورة الفرنسية ومبادئها التي لم تحترم في الجزائر المحتلة والجزائر المستقلة!؟