ماذا يعني أن تقوم شركة النايل سات بتوقيف عدد من الفضائيات وإنذار أخرى عاثت في الأخلاق فسادا وزرعت الفتن حسب قول إدارة هذه الشركة في استعراض قوة شكلي بعد أن أجبر المشاهدون القمر الصناعي نايل سات على الخسوف الكامل بعد أن عاثت معظم فضائياته في القلوب وفي العقول فسادا بين قنوات تبيع الأوهام وأخرى تُسكر المشاهدين في لهو دائم والبقية تمنح للأنظمة الولاء الذي افتقدوه لدى القاعدة؟.. * لقد كان الأمل منذ أن حوّلت الفضائيات والإنترنت العالم إلى قرية صغيرة أن نتفرج على الناس ونقدّم لهم صورة جميلة عنا ليشاهدونا، وكان الأمل أن نتعلم من وسائل الإعلام الكبرى لا أن ننقل حرفيا من رداءة الآخرين، إلى درجة أنه توجد فضائيات يديرها وينشّطها شخص واحد يستضيف مشاهديه في بيته على مدار اليوم، والغريب أن شركة النايل سات قدمت أعذارا أخلاقية وتجارية عندما أوقفت بعض القنوات، ولكنها لم تُنذر أي قناة لأسباب مهنية، لأن الفضائية التي تسبّح بحمد زعيم البلاد إلى ما بعد أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، لا تختلف وهي تقدم المخدر المعنوي لمشاهديها عن فضائيات تبيع الخلطات الوهمية للأمراض المستعصية ومراهم نفخ النهود وحبوب القوة الجنسية لليائسين، كما توجد فضائيات لا يمكن أن نشم لها رائحة ولا نسمع لها اتجاها ولا نرى لها لونا ولا نتذوق منها طعما، وللأسف الشديد فإن فضائيات الجزائر على قلتها وعلى قوة ميزانيتها تدخل في هذا الإطار، وللأسف أيضا فهي رفقة معظم الفضائيات العربية ليست في حاجة لأي قرار توقيف ملموس مادامت موقوفة معنويا من المشاهدين، لقد أبانت أكثر من عشرين سنة منذ أن دخلت المئات من القنوات العربية بيوت المواطنين بكل فئاتهم أن الإعلام الثقيل هو السلطة الأبعد عن المواطنين، فكانت فضائيات الدين تعلّمنا التيمّم والرقية الشرعية، والقوات الأمريكية تنحر تاريخ وجغرافية العراق على أسوار بغداد، وكانت فضائيات الثقافة تعلّمنا الغزل والرقص، والميركافا تنسف قرى جنوب لبنان وتحرق أبناء قانة في مغاراتهم، وكانت الفضائيات السياسية تروي لنا شهقات جلالته وزفرات فخامته، والعدوان الإسرائيلي على غزة يجرّب كل أنواع الأسلحة المحرمة.. ونعود لنسأل عما قدمته هاته الفضائيات لمتفرجيها قبل أن نسأل عما قدمته للعالم، اللهم أنها حولتنا إلى مهرجين يتفرج علينا العالم فيضحك حينا ويقهقه أحيانا أخرى. أليست الفضائيات العربية هي التي هيئت الطريق الإعلامي لأسامة بن لادن وبنَت مملكة القاعدة فكبروا عبر شاشاتها وصغرت الأمة أمامهم؟ أليست الفضائيات المصرية هي التي تجرأت على سب الشهداء وزرع الأحقاد ومنحت الإسرائيليين فرصة التمتع بهذا التهريج إلى درجة أنهم طلبوا من الجزائر ومن مصر التعقل لتجاوز خلافاتهما؟ أليست الفضائيات العربية هي التي تهجمت على أم المؤمنين عائشة وردت عليها فضائيات عربية أخرى بإعلان حرب مذهبية لا تبقي ولا تذر؟ أليست الفضائيات العربية هي التي منحت الأعمال الهندية والتركية والإيرانية الغلبة بتعريبها لتكريس عادة الاستهلاك حتى مع أضعف أمم المعمورة؟ * هل قرار غلق 12 فضائيا من شركة النايل سات صائب، أم أن الصواب هو ضرورة توقيف القمر الصناعي بأكمله؟