بعض أشباه الديمقراطيين يفهمون الديمقراطية على أنها معارضة وشتم للسلطة وتخوين لكل من يدور في فلكها، وما دون ذلك ليس سوى انبطاح للنظام وخيانة للشعب والوطن، وبعض أتباع السلطة من سياسيين ومثقفين وصحفيين يعتقدون أن الديمقراطية هي خنق الحريات ومنع المسيرات، ثم اتهام الأحزاب والتنظيمات أنها عاجزة عن حشد الجماهير. * وبعض أشباه الصحفيين يفهمون ويمارسون الصحافة على أنها نضال بالوكالة عن المفلسين سياسيا، وقصف للمخالفين في الرأي وتجن يومي على زملاء المهنة، وانتقاء جبان للأخبار وقراءة "خبيثة" للمواقف بعيدا عن أخلاقيات المهنة.. * أي ديمقراطية هذه التي تخون كل من يرفض المسير في مظاهرة ليس مقتنعا بالداعين لها ولا بشعاراتها ومطالبها، وأي سلطة هذه التي تخشى على النظام القائم من مظاهرات يقودها رجل يحظى بحماية شخصية من الدولة ويسكن إقامتها المحروسة! وأي متظاهرين هؤلاء الذين يقبلون التظاهر خلف رجل لا يفرق بين الله عز وجل ومحمد صلى الله عليه وسلم، ويوعز لأتباعه بهدم مسجد أغريب، ويناضل من أجل جزائر لا نعرفها ولا نؤمن بها ولا يمكن أن نسمح بها أصلا، كأجيال تعبد تراب هذا الوطن وتكفر بالولاء للخارج. * من الواضح أن الكثير من الفاشلين والعاجزين والمفلسين سياسيا الذين اختفوا عن الأنظار خلال العشرية الحمراء، بل لعبوا أدوارا مشبوهة داخل وخارج الوطن، استيقظوا من سباتهم ويسعون لاستنساخ الظروف المحيطة بنا بهدف العودة من جديد إلى الواجهة بأي ثمن، ومن المؤسف حقا أن السلطة القائمة تكرر الأخطاء نفسها التي وقعت فيها الأنظمة البائدة من خلال الإصرار على منع التظاهر، وهو المنع الذي يستغله المعفنون للوضع لإثارة الرأي العام الدولي ضد الجزائر، والتلكؤ في التجاوب مع المطالب الشعبية القديمة المتجددة، التي بحت أصوات المخلصين للمطالبة بها، ولم يشعر بها الكثير من المسؤولين إلا عندما هرب بن علي وتنحى مبارك بتلك الطريقة المهينة.. * نعم، هناك احتقان شعبي كبير من الأوضاع الاجتماعية، خاصة عندما يتلمس الشباب خيرات البلد وموارده ويتناهى الى سمعهم أن الخزينة العمومية تفيض بالمال، بينما لا عمل ولا سكن ولا زواج ولا حتى متطلبات العيش الكريم، والحقيقة تقال أن الغضب الشعبي ينسحب على الجميع وليس فقط السلطة القائمة، وجزء كبير من هذا الغضب وهذا الاحتقان موجه للأحزاب والفعاليات السياسية التي لا تتذكر الشعب إلا في المواعيد الانتخابية، ثم تنقلب على نفسها بين الموالاة للسلطة أو التطرف في المشاكسة والابتزاز، وللأسف الشديد لا يجد الشباب أي نموذج حزبي واحد يقنعه أو يقوده إلى حراك سياسي جدي نحو التغيير، ما يعني أن التغيير الحقيقي لن يكون سوى من الشارع وبالطرق التي تبني ولا تهدم وتؤسس ولا تخرب وتستوعب واقع الحال بعيدا عن استنساخ التجارب المحيطة بنا حرفيا. * ولأن البلد مرهق فعلا بالإخفاقات الاجتماعية والاقتصادية بعد خروجه مثخنا بجراح الإرهاب، فإن أي مناورات سياسوية لا تراعي الماضي المأساوي القريب للبلاد وتحاول تصفية حسابات ضيقة وإحياء الأحقاد الكامنة في النفوس، لن تزيد الشباب إلا احتقانا على الوضع القائم ولن تزيد البلد إلا ضياعا، وأي تباطؤ أو تأخر في الاستجابة للمطالب الاجتماعية سوف يوفر أجواء وظروف الفوضى التي تقرع لها الطبول كل سبت.