لم يفوّت الجانب الفرنسي، رسالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في الذكرى الخمسين لانعقاد مؤتمر الصومام، قصد إعادة بثّ حلقات مسلسل العلاقات الجزائرية الفرنسية، على خلفية مطلب الاعتراف والاعتذار عن الجرائم الإستعمارية، مقابل توقيع معاهدة الصداقة بين البلدين، وقالت وكالة الأنباء الفرنسية، في برقية لها أمس، إن الرئيس الجزائري، تحدّث عن "نقاط ظل" أثناء حرب التحرير الوطني، مبرزة بأن بوتفليقة طالب المؤرخين "بتسليط الأضواء" على الفترة الممتدة ما بين 1954 و1962. جمال لعلامي وكالة الأنباء الفرنسية -المهتمة بكل شاردة وواردة عن ما يربط الجزائربفرنسا- أبرزت تصريحات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بشأن الثورة التحريرية، وانتقت العبارات التي استخدمها الرئيس الجزائري حول تجريم المستعمر الفرنسي ومقاومة الجزائريين وبطولاتهم. كما ركّزت بالمقابل، على الكلمات "المفيدة"، حيث ذكرت في هذا الصدد، بأن بوتفليقة "لم يعط تفاصيلا حول نقاط الظل، لكنها المرة الأولى التي يعترف فيها رئيس دولة علنا بما كان يشكل طابو يخفيه التاريخ الرسمي". التأويل الماكر والموجّه لوكالة الأنباء الفرنسية، تمّ استخراجه و"تكريره" من كلام بوتفليقة عندما قال: ".. غير أن ثورتنا التحريرية لا تشذ عن بقية أمثالها من مسارات التغيير العنيف والسريع للمجتمعات البشرية، بما شابها من جوانب قاتمة، فعلى علماء التاريخ أن يسلطوا الضوء على تلك المرحلة برمتها ويتحلّوا بالصدق والدقة بحيث لا يغمط شيء من الوهج الساطع، الذي أشرقت به الثورة الجزائرية لا على الشعب الجزائري وحده وإنما أشرقت به على سائر الشعوب التي كانت رازحة تحت وطأة الاستعمار وعلى البشرية قاطبة". وأشارت الوكالة الرسمية الفرنسية، إلى أن المؤرخ الجزائري، دحو جربال، أكد في تصريح لها، بأن "التاريخ لا ينتظر الضوء الأخضر من السياسة لدراسة نقاط الظل خلال حرب التحرير الوطني"، مضيفا بأن "التاريخ الرسمي ينبغي أن ينتهي، وإذا فتح محورا خاصا بنقاط الظل، فإنه سيبقى المحور الرسمي للنقاط الظل". وعادت وكالة الأنباء الفرنسية، في برقيتها غير البريئة، إلى حديث من أسمتهم "أغلب السياسيين والإعلاميين، منذ العام 1989، عن بعض الأفعال السرّية المتصلة بالثورة الجزائرية"(..)!، وأعطت الوكالة في عملية "تخلاط" واضحة، مثالا عن ذلك، بتسميتها قضية "إغتيال عبان رمضان المغتال من طرف رفقائه في الكفاح وكذا مسألة إعادة الاعتبار لرموز الحركة الوطنية مثل فرحات عباس ومصالي الحاج". تأويلات الوكالة الفرنسية، قابلها ربط بين تصريحات الرئيس بوتفليقة، وقانون 23 فيفري 2005، الممجد "للدور الإيجابي" للاستعمار الفرنسي بشمال إفريقيا والجزائر تحديدا، وهو قانون العار الذي تمّ إلغائه من طرف الجمعية الفرنسية بأمر من الرئيس جاك شيراك، في محاولة لامتصاص الغضب في الجزائروفرنسا، خاصة بعدما طالب الرئيس الجزائري مرارا وتكرارا، باعتراف فرنسا الرسمية واعتذارها للجزائريين عن جرائمها الإستعمارية. ويُذكر، أن هذا "الشرط"، مازال يفرمل إلى غاية اليوم، توقيع البلدين على ما يعرف بميثاق الصداقة، وقد انتهت زيارة وزير خارجية فرنسا، فليب دوست بلازي للجزائر دون تحقيق "الحلم الفرنسي"، قبل تصاعد عملية التراشق بالتصريحات المدافعة والمهاجمة، آخرها تمسّك الفرنسيين "بفضل" الإستعمار على الجزائريين(...)!، إلى أن أكد الرئيس بوتفليقة، أول أمس، بأنه "يملي علينا الوفاء لرسالة 20 أوت 1956 أن نصون كما تصان الأمانات شرف الأمة الجزائرية، ونتصدّى صراحة وجهرا لمحاولة تبييض التاريخ الاستعماري الأسود، من خلال المحاولة التي خاضتها بعض الأطراف السياسية ووسائل الإعلام الفرنسية"، مضيفا "إننا حسبنا على غرار المرحوم الرئيس هواري بومدين أن الصفحة طويناها من دون تمزيق، غير أنه لا حياة هناك لمن تنادي"، وهو ما يُفهم منه، أن بوتفليقة جدّد تشبث الجزائر بمطالبة فرنسا بالاعتراف والاعتذار، وحمّل باريس مسؤولية خنق العلاقات بين البلدين.