خلت رسالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بمناسبة الذكرى ال 62 لمجازر 08 ماي 1945، من عبارة كثيرا ما رددها في مثل هذه المناسبة الأليمة، وهي دعوة الطرف الفرنسي إلى الاعتراف ثم الاعتذار عن الجرائم التي ارتكبتها فرنسا الاستعمارية إبان الاحتلال. واكتفت هذه الرسالة بالتأكيد على وحشية ما حدث في هذا اليوم واستنكار مثل هذه الممارسات. في موقف يختلف تماما عما دأبت عليه الجزائر منذ أزيد من سنتين، على خلفية تبني الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) لقانون 23 فبراير 2005، الموصوف بأنه ممجدا للممارسات الاستعمارية الفرنسية في شمال إفريقيا. وسبق للرئيس بوتفليقة أن أطلق تصريحات نارية ضمنها في رسالة وجهها للجزائريين في نفس المناسبة قبل عامين، وصف من خلالها ما جرى في مدن سطيف، قالمة وخراطة بأنه وجها من وجوه المحارق النازية التي عاقبت بها ألمانيا اليهود في الحرب العالمية الثانية، قبل أن يشدد على مطلب الجزائر الثابت بشأن اعتراف باريس بالجرائم المرتكبة في الجزائر، الأمر الذي خلف موجة من الانتقادات العنيفة لدى السلطات الفرنسية اليمينية، تكفل بالرد عليها أكثر من مرة وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي، ومستشاره الإعلامي الناطق باسم ال "كي دورسيه"جان بابتيست ماتيي. الرسالة الجديدة للقاضي الأول في البلاد، وإن لم تخل من انتقادات لاذعة لممارسات الجيش الاستعماري في الجزائر، كقوله "علاقاتنا مع مستعمر الأمس ما تزال تكتنفها أفكار تلك السيطرة ومخلفاتها"، إلا أنها حملت عبارات مغازلة للوافد الجديد إلى قصر الإيليزي، نيكولا ساركوزي، داعيا إياه إلى "جعل ذكرى 8 مايو 1945 مناسبة للتأمل بتبصر وروية في ماضينا القريب وفي مستقبلنا، لأنه يوم يندرج في نسق تاريخ مقاومتنا الوطنية الطويلة للسيطرة الاستعمارية التاريخ الذي كتب بالدماء والدموع ابتداء من ملحمة الأمير عبد القادر إلى ثورة أول نوفمبر 1954 المجيدة التي تكللت بالنصر المبين". وتتقاطع هذه العبارات مع ما جاء في رسالة التهنئة التي وجهها الرئيس بوتفليقة أول أمس لنيكولا ساركوزي بمناسبة فوزه بسباق الرئاسيات الفرنسية أمام مرشحة اليسار سيغولان روايال، حيث لم يتردد في وصفه بأنه "رجل التزام وقناعات"، بينما كان يتحدث على أهمية العمل من أجل " دفع العلاقات الجزائرية الفرنسية وإعطائها بعدا وعمقا يكونان مصداقا لمطامح وأهداف شعبي البلدين"، وذلك "بإقامة الشراكة الوثيقة والاستثنائية التي نريدها بين بلدينا"، التي أكد عليها شيراك خلال زيارته الشهيرة للجزائر في مارس 2003. وتشير عبارات مثل "رجل التزام وقناعات"، التي أطلقها بوتفليقة على ساركوزي إلى حالة الشك التي تراود القاضي الأول في البلاد من التوجه الجديد لخليفة جاك شيراك، في بعض الجوانب المتعلقة بالعلاقات الثنائية، بحيث لم يتردد خلال زيارته الأخيرة للجزائر الخريف الماضي، بوصفه وزيرا للداخلية، في القول بأنه ليس في نية السلطات الفرنسية، إعادة بعث اتفاقية الصداقة المعلقة، مثلما لم يتردد أيضا في رفض المطلب الجزائري المتكرر، والمتعلق بالاعتراف ثم الاعتذار عن الجرائم الاستعمارية المرتكبة في حق الجزائريين طيلة 132 سنة من الاحتلال الاستيطاني، حيث صرح ساركوزي بحضور رئيس الحكومة عبد العزيز بلخادم بأنه "من غير المعقول أن يعتذر الأبناء عن أخطاء آبائهم"، في موقف اعتبر من قبل المتتبعين بأنه تجاوز لأبسط آداب الضيافة، في حين كان يمكن لرجل سياسي متزن أن يتفادى الوقوع في مطبات من هذا القبيل. وتتوجس الجزائر خيفة من أن يهدم نيكولا ساركوزي جسور التقارب، التي كان قد بناها الرئيس المنتهية عهدته جاك شيراك معها، نظرا لارتباطات الوافد الجديد إلى قصر الإيليزي، مع الأوساط اليمينية المعروفة بارتباطاتها الوثيقة مع الحالمين السابقين ب "جزائر فرنسية". محمد مسلم:[email protected]