كانت عقارب الساعة تشير إلى حوالي العاشرة والنصف صباحا عندما بدأ المتطوعون من شتى الأعمار يتوافدون على لجنة الهلال الأحمر لولاية الجزائر، الواقعة بشارع هنري دينان بقلب العاصمة لمدّ يد العون في تحضير مائدة رمضان ومساعدة الفقراء وعابري السبيل في هذا الشهر الفضيل رغم أن معظمهم شباب من الطلبة أو الموظفين. إيمان بن محمد اختيارنا وقع على هذه اللجنة التابعة للهلال الأحمر للتقرب من هؤلاء المتطوعين والتعرف على الجو الذي يعملون فيه، راجع إلى أنها تقريبا اللجنة الوحيدة في العاصمة التي تتوفر على متطوعين على باقي اللجان التي تفضل توظيف شباب في إطار الشبكة الاجتماعية لاسيما في البلديات الفقيرة. كان عددهم مع اقتراب منتصف النهار حوالي 15 متطوعا أغلبيتهم من الشباب في أعمار متفاوتة ووضعيات اجتماعية مختلفة بين الطالب والموظف والبطال. لم يكن هنالك فرق بين ذكر وأنثى، فالكل منهمك في العمل لإعداد قائمة طعام اليوم التي تضمنت »شربة الفريك« و»الكباب« والسلطة في جوّ عائلي يملأه المرح وتطغى عليه صبغة تضامنية. »صبرينة«، ذات ال 22 ربيعا، هي أولى من التقيناها في جولتنا تلك، مهمتها تتمثل في الإشراف على فريق المتطوعين وما يحتاجونه خلال عملهم من خضر وأوان طيلة اليوم من العاشرة صباحا إلى غاية موعد الإفطار، هي المرة الثانية التي تأتي فيها إلى هذه اللجنة. وفي هذا السياق، تقول »صبرينة« أن رغبتها في تكرار التجربة مع التطوع جعلتها تؤجل التفكير في البحث جديا عن عمل حتى نهاية رمضان، بدافع فعل شيء مميز من شأنه أن يشغلها أيام رمضان من جهة ويكون فيه خير للآخرين من جهة أخرى. في الجانب الآخر من البهو يجلس شابان في العقد الثالث، »محمد« و»رضا«، كانا منهمكين في تنظيف الجزر والكوسة بكل جدّ وإتقان قلما نجدهما عند النساء، لكن استغرابنا ذاك سرعان مازال عندما أخبرنا »محمد« أنه يعمل طبّاخا في أحد المطاعم الخاصة، وباعتبار أن عطلته السنوية تصادف دائما شهر رمضان، قرّر أن يبقى في مجال اختصاصه لكن بدون مقابل مادي هذه المرة، فقرر الالتحاق بفريق المتطوعين بلجان الهلال بعد 6 سنوات من البحث عن عمل خيري في أيام عطلته. وغير بعيد عنه، كانت تجلس مجموعة من الفتيات يتعاونّ في تقشير كومات البطاطا لتحضير »الكباب«. وعن تجربتهن مع العملية التطوعية هذه، قالت »أحلام«، 18 سنة، طالبة بالعلوم الاقتصادية، إنها قررت استغلال تأخر انطلاق الدراسة في معهدها للقدوم إلى لجنة الهلال وتقديم المساعدة. من جهتها أكدت أيضا »سهيلة«، 29 سنة، موظفة، أنها استغلت عطلتها السنوية للانضمام إلى عائلة المتطوعين بعد أن سمعت عنهم في حصة بُثت في الأيام الأخيرة على التلفزيون الجزائري، أما »طارق«، موظف في المطار، والذي كان يحاول جاهدا تحسين طريقته في تقشير البطاطا، فيقول إنه في كل سنة من السنوات الثلاث التي يأتي فيها إلى هذه اللجنة يتحيّن الفرص لمد يد العون متى ما سمحت له ظروف عمله طيلة الثلاث سنوات. أما الطباخ الذي اعتاد على مأكولاته مرتادو اللجنة منذ أكثر من 10 سنوات فهو »بوعلام« الذي يسخّر كل رمضان عطلته السنوية لإعداد أطباق مائدة الهلال. وبهذا الخصوص، يقول إنه لا شيء يعادل كلمة شكر أو إطراء يسمعها من محتاج أو فقير، لذلك فهو لا يفوّت فرصة رمضان في كل سنة، مؤكدا أنه سيحافظ على هذه العادة مادام قادرا على القيام بها. من جهته، ذكر »عزيز«، منسق عملية رمضان منذ 16 سنة، بأن اللجنة توزع أكثر من 200 وجبة يوميا بين محمولة وعلى الطاولة. وأرجع المتحدث سبب هذا الإقبال الكبير إلى الشهرة التي يتمتع بها المقر وموقعه الاستراتيجي بقلب العاصمة. أما فيما يخص المتطوعين الذين تتراوح أعدادهم ما بين 60 إلى 70 متطوعا كمعدل يومي، فقد أشار المتحدث بأن هذا العدد يختلف من يوم إلى آخر، باعتبار أن هذه العملية اختيارية والمتطوع حرّ ولا يُلزم بالقدوم يوميا لتقديم يد المساعدة. صادف مغادرتنا للمقر في حدود الثالثة مساء دخول عدد آخر من المتطوعين لاستكمال ما بقي من أعمال التنظيف والإعداد لعملية توزيع الوجبات التي تبدأ في حدود الرابعة مساء.