أنت تشعر بالإرهاق الدّائم، وتُحسّ بأن رأسك ثقيل جدّا من كثرة الأعمال والمشاغل وتودّ لو أن ينفصل عن جسدك ولو للحظات حتّى تستريح قليلا من كثرة التّفكير وشدّة الضّغط! نحن ننصحك بأخذ حمّام، إنّنا لا نقصد حماما عاديا بل حمّاما من دون ماء.. إنه "الاسترخاء الذّاتي". في هذا الحوار سيُعرّفك الدّكتور بوجناح بهذا الحمّام العجيب، بتقنياته وآثاره على عقلك وصحّتك. حاوره :حمزة هدنة هوخبير متحصّل على شهادات دولة في السبعينيات في تخصّص العلاج الطبيعي والاسترخاء النّفسي، هاجر إلى سويسرا في نهاية السبعينيات وهناك واصل تخصّصاته وأنشأ عيادات للعلاج الطبيعي والاسترخاء النّفسي في لوزان وغيرها، وفي سنة 1986 عاد إلى الجزائر واستقرّ بها. يُقدّم الآن برنامجا في إذاعة البهجة بعنوان "إستراحة البهجة" وهي حصة خاصة بالاسترخاء الطبيعي موجّهة للجمهور. الشّروق اليومي: إنّنا مصدومون حتّى هذه اللحظة بكلامكم عن حمّام من دون ماء! ما قصّة هذا الحمّام العجيب؟ الدكتور بوجناح: بإمكان هذا الحمّام أن يُحدث تحوّلا جذريا في الكيان الدّاخلي للإنسان بنسبة 90 إلى 95 في المائة. فالاسترخاء الذّاتي في كلمات بسيطة، هو عمليّة إقلاب النّظر إلى داخل الذّات التي نُهملها كثيرا ونُصرّ على الاهتمام بالمظهر الخارجي وباحتياجات الجسم المادية والبيولوجية، إنّه الإبحار في ذلك الفضاء العميق اللامتناهي، ليعرف الإنسان بأنّه يقف على "خط وسط" بين العالم المرئي الحسّي المسموع- الذي هو ليس كلّ العالم- والعالم الداخلي الروحي المخزون بالطّاقة وبالمعنى، والذي يظل حبيس الجسد. تُرى لماذا يُواظب كل واحد منّا على أن يأخُذ حمّاما مرّة في اليوم أو في الأسبوع.. أليس لأنّه يشعره بالحاجة إليه نتيجة الإرهاق والأوساخ والعمل اليومي؟ أفلا يحتاج العقل الذي هو أهمّ ما في الإنسان إلى حمّام خاصّ به.. حمّام يُنظّفه ويُنقّيه ممّا يعلق به من تراكمات يوم كامل أو أسبوع أو سنة أو عُمر بأسره!؟ الشروق اليومي: نشعر وكأنّ القارئ يضغط على ذراعنا ليعرف كيف يحدث الاسترخاء الذّاتي، هلاّ أخبرتموه بذلك؟ الدكتور بوجناح: هو تقنية نفسية "إكلينيكية" الهدف منها تنقية العقل وتنظيفه. تحتوي على تعليمات إيحائية مُحدّدة نُعلّمها لمن يُريد، ولو اتّبع أيّ إنسان هذه الإيحاءات وطبّقها بطريقة متسلسلة ومُنتظمة، فسيدخل في حالة من "الانفصال الدّاخلي" تُمكّنه من تفريغ ما تراكم بداخله طيلة اليوم. وأنا أستعمل تقنيّة أخرى في الاسترخاء الذّاتي عمرها مائة عام، أنشأها الدّكتور "يوهانس هاينريش شولتز" بين 1904 و1908، إنّها لمساتٌ خفيفة أراعي فيها طاقة الاستيعاب ومستوى الأفراد العلمي وثقافتهم، وتمتدّ من ثلاثة إلى خمسة أشهر، فالفرد العادي ذو طاقة استيعابيّة متوسّطة سيكون قادرا على تعلّم التقنية، ومن ثمّ بإمكانه أن يستعملها مع نفسه كلّما أحسّ بالحاجة إليها، وهو تمرين يستمر مدى الحياة. الشّروق اليومي: بما أنّ الاسترخاء الذّاتي يوصل الإنسان إلى مرحلة "انفصال داخلي"، أفلا يُشبه هذا التنويم المغناطيسي؟ الدكتور بوجناح: في التّنويم المغناطيسي يحتاج الإنسان إلى المُسيّر المغناطيسي، وهو الطبيب الذي يكون إلى جانب المريض، أمّا في الاسترخاء الذّاتي فالعمليّة ذاتيّة، إنّها من الذّات وإلى الذّات، صحيح أنّك ستكون بحاجة إلى الطبيب في بداية تعلّمك التقنية، لكنّك أبدا لن تكون في حاجة إليه بعد أن تتمرّن عليها. لن تكون وبحاجة إلى مرآة لترى نفسك، سترى نفسك بنفسك دون الاستعانة بمرآة. الشّروق اليومي: إذا فهو أشبه "باليوغا"، "فاليوغا" تمرين من الذّات وإلى الذّات، وفي معلوماتنا أنّ العقيدة الإسلاميّة تتعارض مع "اليوغا" التي يُغادر فيها الوعي الجسد بمحض إرادة الإنسان، فضلا عن مبدئها الغريب في التّعامل مع الروح!؟ الدكتور بوجناح: نعم، "اليوغا" فلسفة دينية تتعارض مع معتقدنا الإسلامي، فهي تترك الإنسان خارج العقل، وهذا أمر يرفضه الإسلام. تخيّلوا أنّهم يصِلون إلى حد القول إن روحك تُستنسخ في كلّ مرحلة من مراحل حياتك إلى أن تدخل في روحك قردا أو نارا أو دجاجة، وهو استهتار بما خلق الله وكرّم، وهذا غير موجود في الاسترخاء الطبيعي لأنه غوص بالذّات في الذّات مع الحضور الدّائم للعقل والرّوح معا، فهما الهدف من العمليّة كلّها. الشروق اليومي: حدّثنا عن الحصّة التي تُقدمها على أمواج قناة البهجة وعن أثرها؟ الدكتور بوجناح: إنّها حصّة تُبثّ يوم الأحد من الساعة الحادية عشرة إلى الثّانية عشرة ليلا، عنوانها "إستراحة البهجة"، وهي عبارة عن عيادة عبر موجات الأثير، أتلقّى فيها أسئلة الناس حول ما يُعانونه من مشاكل يوميّة من قلق واضطرابات وضجر، وأرى بأنّ هناك استجابة كبيرة للكلام الذي أقوله لهم لأنهم يعانون من مشاكل كثيرة. الشّروق اليومي: متى ستفتح عيادتك؟ الدكتور بوجناح: قريبا إن شاء الله، ولن تتجاوز أسعاري عشرة بالمائة من تلك المعمول بها في أوروبا، فالحصة الواحدة ستكون في حدود 350 و450 دينار، وسيكون العلاج في شكل أفواج، كما أُحضّر حصصا أخرى لمعالجة الإدمان على التدخين والمخدّرات، بالإضافة إلى ذلك أنا رئيس جمعية "صحّة وعافية"، وهي أوّل جمعية جزائرية تُدخل تقنيات التّدريب السّلوكي للإقلاع عن التّدخين والمُخدّرات. في الأخير، أودّ أن أوصي النّاس بأنفسهم وبصحّتهم، لأن الصحة ثروة والثروة لا يُقدرها إلا من فقدها، والرسول يقول "إذا سألتم الله فاسألوه الصحة والعافية" ومن هنا استلهمنا تسمية جمعيتنا.