على الجزائريين استنباط نموذج تنمية واقعي من ابن خلدون ومالك بن نبي على هامش فعاليات الملتقى الدولي الأول حول التنمية الواقعية في الجزائر بين الممارسة والفكر المنتج، الذي نظمته جامعة عنابة، وفي إقامته بفندق الأمير وسط مدينة عنابة، حاورت »الشروق اليومي« ضيف الجزائر الدكتور مظهر سامر قنطقجي مستشار خاص في مركز الدكتور سامر بمدينة حماة السورية، والذي شارك في هذا الملتقى الدولي بمحاضرة نوعية قيّمة عن النظرية التنموية في فكر ابن خلدون ومالك بن نبي. الشروق اليومي: بداية لماذا ابن خلدون ومالك بن نبي بالذات دون غيرهما من منظري التنمية في العالم؟ الدكتور مظهر سامر قنطقجي: يشكل فكر العالمين (ابن خلدون) و(مالك بن نبي) محور اهتمام كثير من الكتاب والباحثين لما يكتسبه هذا الفكر من عمق وأهمية، فأفكارهما هدفت إلى تسليط الضوء على مسيرة المجتمع الإسلامي قديماً وحديثاً ببيان مكامن الصحوة والقوة فيه وتسليط الضوء على نقاط الضعف التي تحد نشاطه وتشل فاعليته، فأعطت أفكارهما بديلاً يمكّن من الوصول إلى ما سماه (ابن نبي) مرحلة الإقلاع الحضاري. لذلك فلا نزعم أننا نقوم بطرح نظرية تنموية جديدة، لكن نحاول إعادة تسليط الضوء على إسهامات العلامة (ابن خلدون) وفضله في هذا الاتجاه منذ أكثر من 600 عام، إضافة إلى ما أسهم به العالم (ابن نبي) في تجديد الرؤية حول قدرة المجتمع الإسلامي بالقيام بالاقتصاد العالمي بما ينفع الإنسانية بجدارة من خلال فهم الاقتصاد من خلال الإنسان لا العكس، ورغم ما بين العالمين من زمن فإن ما جمعهما من بيئة مغاربية إضافة إلى الإسلام والعروبة يفسر كثيراً من تلك الأفكار. * لكن.. ألا تلاحظ أن الدول العربية قاطبة وبدون استثناء من سوريا إلى الجزائر لم تُعِرْ هذه النظريات أدنى اعتبار؟ - نعم، بل تجاهلتها تماما، ولذلك حدثت الانتكاسات التي عرفتها وتعرفها الكثير من الإيديولوجيات والحركات في الوطن العربي والإسلامي، وهو ما يستدعي أولاً إعادة نظر وثانياً إعادة صياغة لكثير من الأفكار التي حالت دون إعادة تحقيق العالم العربي والإسلامي لنهضته المنشودة في ظل الحضارات المحيطة. بناءً على ذلك، وقبل الانتقال إلى ابن نبي، ما هي معالم وأبعاد نظرية التنمية عند ابن خلدون؟ يمكننا انطلاقاً من أفكار ابن خلدون الوصول إلى أهم معالم النظرية التنموية، متمثلة في الإلحاح على أن الحياة مربوطة »بالأرض«، وهذا فيما يخص تاريخية هذه الحياة وأسس انطلاقتها، مع الإقرار أنه قد يحصل (شبه) استقلال عن الأرض في الحياة المدنية التي تعتمد كثيراً على اختراعات الإنسان، والتأكيد على أن العمل الإنساني هو (تقريباً) مصدر كل المعاش، وأنه لا معنى للخيرات الأرضية دون عمل إنساني. * هل هناك فعلا نظرية تنموية واقعية عند مالك بن نبي قابلة للتطبيق في الجزائر والدول العربية؟ - طبعا، فقد كان مالك بن نبي ولا يزال يمثل تعبيرا عن رؤية منهجية واضحة، فضلاً عن كونه مفكرا معرفيا أدرك أزمة الأمة الفكرية، فوضع مبضعه على أُس الداء، وهو بنيتها المعرفية والمنهجية، إنه (دون شك) واحد من أهم رواد مدرسة »إسلامية المعرفة« ومصلحي مناهج الفكر، ولاتزال مفاتيحه تملك قدرة توليدية في مجال المفاهيم والمنابع والعمارة الحضارية بكل امتداداتها وتنوعاتها، فقد رأى أن كل حضارة تمر عبر ثلاث مراحل: النهوض ثم الانعطاف وأخيرا الانحطاط. * لماذا ركز ابن نبي كثيرا على محورية ومرجعية الإسلام في البناء الحضاري والتنمية الحقيقية الذاتية؟ - إن التحدي الذي يواجه الأمة اليوم ذو جانبين يتعلق الأول بالوعي والقناعة أن الأفكار السابقة التي نجحت في بلدانها أوروبا وأمريكا أو اليابان لن تنجح بنفس القوة عند تطبيقها خارج بلدانها، خاصة وأن استيراد المنتج الحضاري لا ينتج حضارة، أما التحدي الثاني فيخص العمل على الاستفادة من المنتجات الحضارية الغربية، ببناء الإنسان الواعي الحامل لهموم أمته، وتوفير الشروط الملائمة لاستغلال الأراضي والاستفادة منها (بالزراعة والاستصلاح)، واستثمار الزمن. ويبقى العامل المحرك للعناصر الثلاثة هو العامل الديني، إذ وضع ابن نبي معادلة رياضية للتنمية أو للحضارة، ولذلك لن تستقيم أمور البشرية عموماً إذا أغفلت الجوانب النفسية والأخلاقية والاجتماعية والعقدية، والعنصر الجامع لتلك الجوانب هو الدين. حاوره: جمال سالمي