السيد مراد يلتقي بمدريد بنظيره الاسباني    رئيس الجمهورية: تأميم المحروقات حلقة مكملة لروح التحرر وتمكين للاستقلال الوطني الكامل    الرئيس ابراهيم غالي يؤكد مواصلة الكفاح على كل الجبهات حتى استكمال سيادة الجمهورية الصحراوية    سايحي يستقبل وفدا عن النقابة الوطنية المستقلة للقابلات الجزائريات للصحة العمومية    الذكرى المزدوجة لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين وتأميم المحروقات: تكريم عمال ومتقاعدين بشرق البلاد    العاصمة..المديرية العامة للأمن الوطني تطلق الحملة الوطنية للتبرع بالدم    الوزير الأول يشرف بحاسي مسعود على مراسم إحياء الذكرى المزدوجة لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين وتأميم المحروقات    حمدي: قرار تأميم المحروقات..نقطة تحول في مسار التنمية وتعزيز للمكانة الجيو-سياسية للجزائر    القنوات السمعية البصرية مدعوة خلال رمضان إلى تقديم برامج متنوعة وراقية    نعم انتصرت المقاومة وإسرائيل تتفكك رويدًا رويدًا    ياسع يشارك بالصين في أشغال الجمعية العامة للهيئة الأممية للتغيرات المناخية    مشاريع تحلية مياه البحر نابعة من إرادة سياسية استشرافية لمواجهة شح الأمطار وللاحتياجات التنموية    تأميم المحروقات من اهم القرارات الحاسمة في تاريخ الجزائر المستقلة    المعهد الوطني للصحة العمومية ينظم يوما إعلاميا حول الأمراض النادرة    محروقات: وكالة "ألنفط" تعتزم إطلاق مناقصة دولية جديدة في أكتوبر المقبل    بوغالي يعزي في وفاة ثلاثة عسكريين أثناء أداء واجبهم الوطني بعين تيموشنت    صحراء ماراطون : مناسبة متجددة للتضامن مع الشعب الصحراوي ونضاله من أجل حريته واستقلاله    كرة القدم (داخل القاعة): المنتخب الوطني يشرع في تربص اعدادي بفوكة (تيبازة)    المجلس الوطني الفلسطيني: استخدام الاحتلال للدبابات في "جنين" يهدف لتدمير حياة الفلسطينيين    مدير البريد والمواصلات لولاية الجزائر    كرة القدم/ الرابطة الأولى موبيليس (الجولة ال 17): مولودية الجزائر تفوز على نادي بارادو (3-1) وتعمق الفارق في الصدارة    ارتفاع حصيلة المراقبين الدوليين الذين طردهم المغرب    رؤية استشرافية متبصرة لريادة طاقوية عالمية    محطات تحلية المياه مكسب لتحقيق الأمن المائي    نشيد بدور الجزائر في حشد الدعم المادي للقارة    ترقية التعاون جنوب-جنوب في مجال الطوارئ الكيميائية    رؤية شاملة لمواصلة لعب الأدوار الأولى    سعيدة : فتح ستة أسواق جوارية مغطاة تحسبا لرمضان    بونجاح وعبدلي يؤكدان جاهزيتهما لتصفيات المونديال    "إسكوبار الصحراء" تهدّد مملكة المخدرات بالانهيار    "طيموشة" تعود لتواصل مغامرتها في "26 حلقة"    دورة تكوينية للنواب حول المالية والإصلاح الميزانياتي    خارطة طريق جديدة للقضاء على النفايات    سيطرة مطلقة للمنتخب الجزائري    الدخول المهني: استحداث تخصصات جديدة تواكب سوق العمل المحلي بولايات الوسط    هذه هي الجزائر التي نُحبّها..    وفد عن مجلس الأمة يشارك في مؤتمر عربي    تتويج زينب عايش بالمرتبة الأولى    قِطاف من بساتين الشعر العربي    الشوق لرمضان    توقيف لاعبَيْ مولودية الجزائر واتحاد بسكرة 6 مقابلات    تقديم العرض الشرفي الأول لفيلم "من أجلك.. حسناء" للمخرج خالد كبيش بالجزائر العاصمة    الطارف : انطلاق التربص التكويني لمدربي كرة القدم FAF1 بالمركب الرياضي تحري الطاهر    هناك جرائد ستختفي قريبا ..؟!    هذا جديد مشروع فيلم الأمير    سايحي يتوقع تقليص حالات العلاج بالخارج    عشرات الأسرى من ذوي المحكوميات العالية يرون النّور    تراث مطرَّز بالذهب وسرديات مصوَّرة من الفنون والتقاليد    مدرب مرسيليا الفرنسي يوجه رسالة قوية لأمين غويري    نادي ليل يراهن على بن طالب    استعمال الذكاء الاصطناعي في التربية والتعليم    صحة: المجهودات التي تبذلها الدولة تسمح بتقليص الحالات التي يتم نقلها للعلاج بالخارج    تسخير مراكز للتكوين و التدريب لفائدة المواطنين المعنيين بموسم حج 2025    اختيار الجزائر كنقطة اتصال في مجال تسجيل المنتجات الصيدلانية على مستوى منطقة شمال إفريقيا    هكذا تدرّب نفسك على الصبر وكظم الغيظ وكف الأذى    الاستغفار أمر إلهي وأصل أسباب المغفرة    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا نواجه إلا الشعب الذي خلقناه؟
نشر في الشروق اليومي يوم 29 - 10 - 2011

لا نواجه إلا الشعب الذي خلقناه على مدار قرابة النصف قرن. لقد تألم الشعب الليبي كثيرا وعانى مصائب المظالم والتقتيل المجاني في غياب أي رادع قانوني. فانغلقت كل أبواب العقل والرصانة والتأمل والتنظيم. هذا الوضع بمقولة دونتون لصديقه روبيس بيير، شريكه في الثورة الفرنسية، عندما حكم عليه بالإعدام: احذر. ستمر رقبتك على نفس شفرة المقصلة التي ستقطع رأسي.
* العمى والصمم جعل روبيس بيير لا يرى إلا ما فرضته عليه اللحظة. ولكن ذلك لم يمنعه من أن يعيش نفس الموت وبنفس المقصلة. مرة أخرى نصطدم بالصورة التي تجعل التشوهات والحيرة تنتقل من الخارج إلى الداخل لتتحكم فينا وفي أحكامنا وأذواقنا وأيضا وفي درجة حساسياتنا التي أصبحت بفعل التكرار، ثقيلة وغير مكترثة بما يحدث أمامها. تعودنا صور الأشلاء والأطفال الممزقين والنساء المغتصبات، والآن الرؤساء والحكام الذين تخترق الصورة وجوههم وعيونهم لتنزع عنها ليس فقط أي احترام وخصوصية ولكن الحرمة الجسدية التي وضعتها الأديان مجتمعة في قمة اهتماماتها لأنها تعرف جديا سلطان الضغائن. تؤكد صور مقتل القذافي على ما غرسته القاعدة في نفوس الناس من بطش وجريمة موصوفة. لا أدري إذا كان الثوار الليبيون قد ربحوا شيئا كبيرا أو أشفوا غليلا قديما من هذه الصور الوحشية التي تؤكد مرة أخرى بالنسبة للرأي العام الغربي الذي أصبح يتلقى كل شيء يتعلق بالعالم العربي بالكثير من اللامبالاة وأحيانا الازدراء، تؤكد على أن الإنسان العربي يستحق في النهاية كل ما يحدث له من انكسارات لأنه لم يتخط مرحلة الوحشية المقيتة ويحتاج إلى أن يتدرب قليلا على التحضر بواسطة المساعدات الخارجية والدولية سواء عن طريق الحلف الأطلسي أو غيره. القنوات الغربية لا تظهر أي جسد ممزق. لا نرى إلا جزئية صغيرة من صورة مقتل القذافي مسبوقة باعتذار مسبق عن بشاعة الصور. بينما تظهر نفس الصور بالتفصيل وبالتفصيل المرضي في القنوات العربية. في قناة فرنس24 مثلا، لا نرى التفاصيل في القناتين الناطقتين بالفرنسية والإنجليزية لكن الناطقة بالعربية تظهر كما في أية قناة عربية كل التفاصيل. تحول الجسد إلى وسيلة للانتقام والقتل. ماذا تقول الصورة الأولى التي عبرت العالم والتي بعثها مجهول قبل أن يتأكد مصدرها: القذافي في حالة موت يظهر ميتا، مرميا في زاوية ضيقة تضغط على جسمه مثل القمامة. قبل أن تزيد لاحقا الصور فداحة ووضوحا. القذافي حي، والثوار الملتحون يدفعون به من كل الجهات. الدم يملأ وجهه من الضرب أو من الجروح. لا يجد حتى فرصة الالتفات وراءه والأيادي تمتد له من كل الجهات. شعره منفوش وألبسته تحولت إلى مزق على ظهره قبل أن تغيب الصورة على وقع طلقات رصاص متتالية. الصورة الثالثة وهو مقتول وعار وجسده مليء بالجروح والتشوهات وحفرة عميقة في ناظره الأيسر من جراء رصاصة من عيار كبير. ثم أرجل ترفس الجثة العارية ولا تكاد تترك فيها شيئا. ربما كانت الضغينة التي صنعها القذافي ومحيطه على مدى النصف قرن من الحكم والدكتاتورية هي التي صنعت ذلك. في النهاية لا نواجه إلا شعبا يشبهنا. يمكننا أن نعود إلى تفاصيل لم تعد نافعة اليوم، إذ كان بإمكان القذافي بقليل من الحكمة، غير متوفرة للأسف، أن ينقذ شعبه من آلام دامت طويلا، وينقذ عائلته ومدنه من الدمار وخيرات بلاده لكن يقين خلود السلطان يعمي كليا. فقد ظل مقتنعا إلى اللحظات الأخيرة أنه القائد الأعظم الذي لن يتخلى عنه شعبه؟ أي شعب؟ عائلته وقبيلته، أم شعب اللجان الثورية التي رمت بالبلد إلى أقصى درجات التخلف؟ نهاية تراجيدية تدل على أن ما ينتظر الشعب الليبي ليس سهلا أبدا. دورة خمسين سنة من العزلة لا يمكنها أن تنتج شيئا آخر غير تلك النهاية. نهاية هلل لها جزء كبير من الشعب الليبي المكسور في كل شيء. وهلل لها بعض القادة العرب الذين يظنون أن الرياح الساخنة ستمر بجانبهم ولن تمسهم أبدا. وهلل له قادة الحلف الأطلسي لأن قتله خلصهم من شوكة في الحلق حتى بجنونه. القذافي الذي عاش في وهم عظمة موسوليني إذ كان يقلده في كل حركاته، وجنون العظمة، وقفته، تكبره، يقينه بحب الشعب له، حتى في التسمية، أطلق القذافي على نفسه تسمية القائد، وموسوليني الدوتشي التي تعني القائد العظيم. لكن التراجيديا لا تتوقف عند هذا الحد، فقد شابهه حتى في نهايته القاسية. موسوليني أيضا ألقي عليه القبض في لحظة هروب. في 1943 هجم الحلفاء على صقلية ثم جنوب إيطاليا. فسجن موسوليني على إثرها، ولكن كوماندوسا من الضباط النازيين أنقذه، فهرب نحو شمال إيطاليا حيث أسس جمهورية صالو حيث ارتكب فيها أبشع الجرائم الدموية. وبعد ردة فعل الثوار، هرب باتجاه سويسرا متنكرا مع صديقته كلارا بيتارا بيطاكي، لكن ُيلقى عليه القبض في قرية دنوكو في 26 أفريل 1945 فيعدم ببشاعة وبلا محاكمة. وعُلق بقية وزرائه من أرجلهم في الساحات العامة تحت هستيريا الانتصار في ساحة لوريتو في ميلانو. حتى جثته الذي وقع جدال حول سرية دفنها، يستخرجها بعض الفاشيين ويهربونها لكنها في النهاية تُرجع إلى عائلته التي ظلت تطالب بها لدفنها في تابوت العائلة. يبدو أن الضغينة تطفئ كل عقل ولا قانون يعلو فوق قانون الغاب. كنا في الأربعينيات عندما أُعدِم الدوتشي، ونحن اليوم في العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين ولا شيء تغير في وحشية الإنسان المتأصلة. لا شيء.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.