يشير السيد أمحمد حميدوش خبير اقتصادي لدى هيئة الأممالمتحدة للتنمية الصناعية في هذا الحوار الذي أجرته معه "المساء" إلى مشكل ارتفاع أسعار القمح في السوق العالمية، بسبب كثرة الطلب وقلة العرض الناتج عن قلة الانتاج، بسبب ظاهرة الجفاف وعوامل أخرى، حيث قدرت نسبة العجز في التزود بهذا المنتوج خلال هذه السنة وإلى غاية 2008 ب 2 مليون طن، واقترح محدثنا تخصيص أماكن مكيفة لتخزين أكبر كمية ممكنة، لتفادي الوقوع في أزمة نفاد المنتوج العالمي، في حالة استمرار الوضع على ما هو عليه حاليا - تعرف أسعار القمح ارتفاعاً في السوق العالمية، بماذا تفسرهذه الزيادة؟ * منذ سنة 2000 تبين الإحصائيات أن من بين ثمانية مواسم الحصاد الأخيرة، فإن 7 منها سجل فيها عجز في الانتاج على المستوى العالمي، وبالتالي كان الاستهلاك أكثر من الإنتاج، وتم استنفاذ المخزون العالمي تدريجيا خلال هذه السنوات، حيث أصبح في أدنى مستوى· منذ جوان الماضي لم يعرفه منذ 1980 إذ أصبح يقدر ب 148 مليون طن، مما جعل الأسواق تحت الضغط، وبالتالي فإن أي كارثة طبيعية لإحدى الدول المنتجة، قد تحدث ارتفاعا مذهلا للأسعار· وللإشارة فإن الدول التي تعرف وتيرة سريعة في النمو كالهند والصين (أكثر من 2 مليار نسمة) مضطرة لتغيير نمطها الاستهلاكي، نظرا لتحسن المستوى المعيشي، حيث أصبحت تستهلك أكثر فأكثر اللحوم، وكان لها الأثر غير المباشر على أسواق الحبوب الجافة على العموم، وعلى القمح بالخصوص، بحيث يستعمل هذا القمح لعلف الحيوانات، بالرغم من انخفاض الحقوق الجمركية الناتجة عن اتفاقيات مراكش لعام 1994 للمنظمة العالمية للتجارة، فيبقى السعر محددا من الدول التي لها أكبر تصدير، كالولاياتالمتحدةالأمريكية التي تمثل 30 % من الصادرات العالمية الأخرى، وأوروبا ودول البحر الأسود كروسيا و أوكرانيا· - هل يمكن لارتفاع الانتاج العالمي أن يخفف من حدة ارتفاع الأسعار؟ * كل الاقتصاديين سوف يؤكدون أن ارتفاع الأسعار في السوق قد يجلب استثمارات جديدة، بحيث أن ارتفاع الأسعار يمكن من رفع المردودية والأرباح؛ ولكن أظن أن الوتيرة الحالية لمستوى النمو وتحسن المستوى المعيشي لكثير من الدول، يجعلنا مقبلين على الخلل، وذلك من خلال ارتفاع الطلب على العرض، بحيث أن الانتاج قد لايغطي الاستهلاك، وهناك متغيرات أخرى يجب أن تؤخذ في الحسبان، كارتفاع انتاج كحول الإيثانول في الولاياتالمتحدةالأمريكية وفي أوروبا، حيث تم إنشاء مصانع جديدة لإنتاج الميثانول، كما أنه أصبح يستغل القمح لاستعمالات أخرى كالبنزين البيولوجي، والذي سوف يرفع من الاستهلاك الداخلي للدول المنتجة، ويقلص التصدير· وللتذكير، فإن الإنتاج العالمي للقمح يقدر ب 630 مليون طن سنويا، ويحدد سعره ب 109 مليون طن المتداولة عالميا في السوق؛ بينما يقدر الطلب العالمي للقمح ب 632 مليون طن، وبالتالي فإن العجز في الإنتاج العالمي بالنسبة لطلب المواسم 2007 و2008 يقدر ب 2 مليون طن· في السنوات السابقة كان الفلاح الأوروبي يجني 10 أورو للطن الواحد، والآن رغم أنه يجني 50 أورو للطن، فهو يفضل إنتاج الحبوب الجافة، كالذرة والصوجا، لإنتاج البنزين البيولوجي، عوضا من إنتاج القمح، لأن الربح فيها يمثل ضعفين، ولهذا السبب أصبحت المساحة المخصصة للقمح تتقلص شيئا فشيئا لصالح الذرة والصوجا· وذلك بالإضافة إلى انخفاض المر دودية بنسبة 20 إلى 30 % بالنسبة لرومانيا وبلغاريا، وتسجيل موسم سيء في أوكرانيا، حيث لم يتعد إنتاج هذا الموسم 14 مليون طن عوض 17,5 مليون طن، مع تسجيل جفاف في استراليا وانخفاض الإنتاج في روسيا الذي قدر ب45 مليون طن عوض 48,5 مليون طن، بالإضافة إلى تقليص المساحات المزروعة لهذا الصنف من الإنتاج في ألمانيا، من خلال تقليص مساحة 3,045 مليون هكتار، وانخفاض الإنتاج في الولاياتالمتحدة ب 610 مليون طن، مقابل 617 مليون طن المنتظرة، وهو ما يجعل التفاؤل بإنتاج وفير أمر غير وارد، لكي لا نقول منعدم للخمس السنوات القادمة· - أين وكيف يتم تحديد تسعيرة القمح؟ * هناك بورصات خاصة للمواد الزراعية، فمثلا في أوروبا أكبر منتج للقمح هي فرنسا، ويمكن معرفة الأسعار من خلال "أوروناكس باريس" وهي مرآة للأسعار المتداولة على المستوى المحلي بين المتعاملين، أي هناك بورصات عديدة جهوية تحدد فيها أسعار التعاونيات التي تخزن· وهناك سعران: سعر ما يسمى سعر الخروج من التعاونية أو سعر تفاوض البذرة، وهناك سعر التسليم يأخذ بعين الاعتبار تكلفة النقل إلى مكان الطلب، وفي الغالب يكون سعر التسليم هو المتداول· كما توجد أيضا في العالم بورصات لأسعار القمح التوجيهية، بحيث أن القمح الأمريكي يمثل 30 % من القمح المتداول عالميا، ويحدد سعره في شيكاغو على مستوى لوحة القيادة التجارية لشيكاغو، وهذا السعر الذي يتبعه الكثير عالميا· - هل يمكن القول أن هناك أشكالا مرجعية مختلفة للقمح؟ * هناك صنفان من القمح، فالصنف الأول هو القمح اللين الذي يستعمل في إنتاج الفرينة والبسكويت والإيتانول وعلف الحيوانات· بينما الصنف الآخر هو القمح الصلب يوجه لإنتاج الدقيق والعجائن الغذائية· للإشارة أيضا هناك أصناف للقمح باختلاف النوعية، بحيث أن القمح اللين الموجه للبسكويت يختلف عن الذي يوجه لإنتاج الفرينة لدى المخبزات، ولذلك هناك مختلف التسعيرات حسب تصنيف القمح اللين ولكن هناك اتفاق مبدئي على أن القمح اللين يحدد تسعيرة على أساس السعر المرجعي الفرنسي الذي ذكرناه سابقا والمسمى "مسلم روان"· - ما هو الحال بالنسبة لدول المغرب العربي على العموم والجزائر على الخصوص؟ * أكبر مستورد للقمح في العالم هي دولة مصر بحجم 5 ملايين طن سنويا، لكن بسبب الجفاف للموسم الماضي في المغرب، تم حصد مليوني طن عوض 9 ملايين طن، والجزائر عرضت مؤخرا مناقصة دولية لاستيراد 50.000 طن مابين جويلية وديسمبر· - هل يمكن اقتراح حل لمواجهة الارتفاع المتواصل لسعر القمح؟ * نحن على وشك أزمة عالمية بالنسبة للقمح خلال السنوات المقبلة، فعلى غرار الإتحاد الأوروبي، من خلال تنظيم أسواق للحبوب الجافة، فإن الجزائر يجب أن تعيد النظر في كيفيات تنظيم هذه السوق، مثلا فإن الإتحاد الأوروبي من خلال السياسة الفلاحية المشتركة، يتدخل بشراء من التعاونيات عند التفاوض لتتمكن من بيع القمح ، فتتدخل السلطات العمومية لشراء الفائض وتخزينه، والعكس عندما يكون نقص في الإنتاج تتدخل من خلال عرض للمخزونات· فبالتالي يستحسن أن يتم تنظيم السوق الوطني، من خلال تحرير السوق تدريجيا بدء بالقمح الصلب، والشروع في استيراد أكبر كمية متوفرة، حسب قدرة التخزين الوطنية على الخصوص ·أما بالنسبة للقمح اللين الموجه للاستهلاك الداخلي، فمن المفروض تقليص فارق الأسعار تدريجيا بين السعر الداخلي وسعر السوق المتداول عالميا، وتمكين الدولة من التحكم في الأسعار داخليا، بعيدا عن ضغوطات السوق الخارجية· كما أن تخزين هذه الكميات يمكن من إعادة بيعها للخارج بأرباح، نظرا لتوجه الأسعار نحو الارتفاع دائما· - وعدت الحكومة بتقديم الدعم للفرينة والدقيق، كيف يمكن مراجعة التذبذبات المستقبلية؟ * لقد وعدت الدولة بتقديم الدعم للخبز على الخصوص، وهذا دور الدولة··، وارتفاع أسعار الخبز لايعني بالضرورة تخلي الدولة عن وعودها، بحيث من المفروض أن تقدم الدعم للطبقة الكادحة، وليس لكل فئات المجتمع، لأن الدعم الحالي يستفيد منه الغني والفقير· وللإشارة فإن السعر الحقيقي للخبزة الواحدة هو مابين 40 و70 دج، حسب نوع الخبز· في الحقيقة تعود الجزائريون على استهلاك الخبز المسمى ب 40 % منذ الاستقلال، وهذا يعني أن 40 بالمائة من القمح يوجه لإنتاج الخبز و60 % يوجه للعلف (ما يعرف بالنخالة) بينما من المفروض العكس صحيح، وهو مقياس عالمي، وبذلك يفقد الجزائريون عند استهلاك الخبز القيمة الغذائية الرئيسية· - لكن كيف يمكن تقديم الدعم لهذه الطبقة التي ذكرتموها؟ * على غرار ما تفعله الدول الأوروبية، فمثلا إنشاء صندوق العلاوات العائلية، وهذا النموذج موجود في فرنسا يسمى"كاف"، بحيث يشرف على تسليم المنح المدرسية والمنح السكنية ومختلف المنح العائلية الأخرى، وغياب هذا النوع من الصندوق جعل فوضى في كيفية تسليم المنح ومراقبتها، فمثلا المنح المدرسية كانت تسلم من قبل من طرف صناديق الضمان الاجتماعي، والآن يقدمها صاحب العمل، والعلاوات المدرسية تشرف عليها المؤسسات التعليمية، والمنح الاجتماعية تشرف عليها البلديات، فكل هذا يمكن أن تشرف عليه مؤسسة واحدة وهي وزارة العمل والحماية الاجتماعية، وتخصص علاوة لهذه الفئة، ويمكن أن تستفيد الطبقة الضعيفة من الدعم لاستهلاك الخبز، لأن دعم الدولة للخبز يوميا يقدر ب 2 مليون دولار، وإذا أقدمت على دعم هذه الفئة مباشرة فيمكنها تقليص نصف هذا المبلغ لأن تدعيم الخبز يكلف الخزينة الجزائرية يوميا 2 مليون دولار، أي ما يفوق 700 مليون دولار سنويا، وهذا الرقم مرجح للارتفاع مع ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية مستقبلا· فتقديم العلاوات مباشرة للفئات التي ذكرتها ذوي الدخل الضعيف أو المحدود قد يكلف الدولة سنويا 360 مليون دولار سنويا، وبفضل سياسة محكمة، يمكن تقليصه تدريجيا إلى 100 مليون دولار سنويا، ويوجه الفرق لتشكيل الاحتياط من القمح الصلب واللين مستقبلا لغرض التحكم في الأسعار من جهة، وأن تحتاط الدولة لكل النتائج السلبية لمختلف السيناريوهات المتوقعة المتشائمة منها أو المتفائلة من جهة أخرى· وخلاصة القول ما ذا يمكن أن نقول؟ يجب دق ناقوس الخطر والاحتياط له قبل الدخول في الأزمة الخطيرة المتوقعة لمادة القمح، وأحسن دليل على ما نقوله انخفاض مؤشر أو نسبة مخزون القمح اللين بالنسبة للإستعمال العالمي بحيث عرف انخفاضا مستمرا من 27,5 % في موسم 2002 و2003 إلى 22,7 % في موسم 2003 و2004، ووصل إلى 19,6بالمئة بالنسبة لموسم2006 و2007، والتقديرات لهذه السنة تعادل 18 % فإذا وصلنا إلى استهلاك مخزون الأمن، ففي هذه الحالة تحدث الكارثة