قانون الأحزاب والجمعيات، بقدر ما كان محل أنظار الجميع سلطة ومعارضة ومجتمعا مدنيا بقدر ما كان محل تفرقة بين مؤيد ومعارض، بين مهلل ومستنكر.. * فالحياة الحزبية والجمعوية هي ركن أساسي لبناء الديمقراطية، وبدونها، فإنها تعتبر تماما كالمقابلة التي تجري بلا جمهور، فتصبح مجرد لعبة.. فالنظام الحزبي والجمعوي المقترح أقل ما يقال عنه أنه تراجع في البناء الديمقراطي، ولا يرتقي للفعل المؤسساتي، بحكم أنه يقصي في العديد من مواده، شرائح من المجتمع... والديمقراطية المتعارف عليها هي انعكاس للتوجهات داخل المجتمع... فالتحريم الأبدي لتيار معين له انعكاس سلبي بقدر ما يكون مفيدا للدولة والمجتمع، فسياسات القمع، الإقصاء والتهميش لا تجدي نفعا فلنعتبر بالنهضة التونسية، والتي رغم القمع المسلط عليها لسنين، إلا أنها بمجرد تحرير الصادق، استطاعت أن تنطلق بدون قيد أو شرط... كما أن نفس الحالة تنطبق على الإخوان والسلفيين في مصر... ولذلك تمثل هذ الدولة مجتمعا منسجما ومتوازنا لا يبني بالفواصل، ولا النقاط بقدر ما يبني بتوسيع القواعد، والاحتواء، والصفر والعفو... وأعتقد أن الإصلاحات الرئاسية، والمشاورات والتحاور، والجلسات البرلمانية لم تكن عاملا ايجابيا للإصلاحات، بقدر ما كانت عاملا مثبطا، ومنقصا لها. فالحكم الأبدي بالخطيئة، وتطريز النصوص حسب القناعات الشخصية، وليس المصلحة العامة، وما يخدم الدولة، كل ذلك يمنع تجاوز الأزمة وامتصاص العديد من توابعها، ونظرة النقص والازدراء، قد لا توحي بالشفاء التام، بقدر ما توحي "بالتخوف" من تيار من التيارات... فالشعب الجزائري.. تشبع الكثير ثم الكثير من الأزمة، حتى أصبح صوته مسؤولا وقادرا على التمييز بين الأشخاص والبرامج، لذلك فلنعمل على تجاوز العديد من العقبات التقنية والقانونية في قانون الأحزاب والجمعيات. ولذلك فلنحكم العقل والمنطق والمبادئ الدستورية والتراثية المشتركة بين الجزائريين والمتعارف عليها عبر المراحل الدستورية المتلاحقة، من تساو في تقليد الوظائف العامة، وإعطاء كل واحد حق الانتخاب والترشح، وحرية الرأي، والتعبير، والانضمام والتأسيس الحزبي المضمون.. بهذه القواعد المجردة، المتعارف عليها في العديد من الأنظمة المقارنة، يمكن أن نبني دولة المؤسسات، دولة الحق والقانون، دولة لا تزول بزوال الرجال.. أما الباقي فمن باب "البريكولاج" أو "البريفبريكي" أي "الجاهز" الذي قد لا يصمد في وجه أدنى ريح، أو زلزال، فالوقت والآليات القانونية للمراجعة وحزمة الاصلاحات "بيدنا" سواء من خلال المجلس الدستوري ورقية الوجوبية لقوانين العضوية، أو من خلال صلاحيات رئيس الجمهورية من إلغاء، وتعديل الآليات السياسية الأخرى. فهذه الملاحظات، نابعة من وجدان جزائري يؤمن بدولة جزائرية قانونية، أين كل واحد "يحمل الباسبور الاخضر" من حقه أن يحلم، ويسعى في الخير أو الوصول إلى السلطة.. وإني أقولها بدون تشكيك أو ريب، فالكل صادق في نواياه ولا يعلمها إلا المولى تعالى.. ولكن غفلة الصالحيين لا تكفي إن لم تقترن بالعمل الجاد والفعال، وما نريد إلا الإصلاح ما استطعنا... * oussedik@hotmail.com