يُقدّر الأستاذ «سليمان شنين»، مُدير مركز «الرائد» للدراسات، بحصول نوع من التغيير في العلاقات بين الجزائروفرنسا، حيث أدرج التصريحات الأخيرة لرئيس الجمهورية «عبد العزيز بوتفليقة» في خانة إعطاء انطباع إيجابي وعربون ثقة للجانب الفرنسي من أجل التعامل مع كافة الملفات العالقة بين البلدين في إطارها الشامل، ويؤكد «شنين» في هذا الحديث الذي خصّ به «الأيام» بأن باريس لا تزال تُعامل بلادنا على أنها مُجرّد «بقرة حلوب» على الصعيد التجاري، كما يرى ضرورة عدم ربط مستقبل هذه العلاقات بملفات الماضي والذاكرة وهو يُقدّم مُبرّرات لذلك. التصريحات الأخيرة التي جاءت على لسان الرئيس «عبد العزيز بوتفليقة» التي قال فيها بأن العلاقات مع فرنسا على ما يُرام، ومن بعدها تصريحات وزير الخارجية «مراد مدلسي»، تكشف عن تعاطي إيجابي مُفاجئ للجزائر مع باريس كما تُقدّم إشارات واضحة بانفراج سياسي بين الجانبين، في اعتقادكم ما الذي تغيّر حتى يقول «بوتفليقة» مثل هذه العبارات؟
الزيارات الأخيرة بين الطرفين وكذا الحوار الدائر في الفترة الحالية هو الذي أدى إلى حدوث نوع من التقارب بين الجزائروفرنسا، والواقع أن الجزائر تُريد أن تبني علاقة شاملة وتفتح النقاش بشكل كامل في كافة الملفات، خاصة الملفات التي تهمّ المجال الحيوي وكذا الطابع الإستراتيجي، وهذا ما يعني بأن ذلك يشمل بالأساس جميع الملفات الأمنية والاقتصادية والعسكرية، بالإضافة إلى الملفات الأخرى العالقة مثل قضية الصحراء الغربية وملف مُكافحة الإرهاب في إطاره الشامل أيضا. وعليه فإن الجزائر ترغبُ في مُعالجة هذه الملفات بهذه الصورة الكلية، والتصريحات الأخيرة تعني بأن بلادنا تُعطي الانطباع بضرورة تقريب وجهات النظر من خلال التعاطي معها، وبمعنى أقرب فإن المقصود أن الجزائر ترفض حصر التعامل في الجانب الاقتصادي مثلما تذهب إليه الرؤية الفرنسية التي تُريد الاستفادة فقط مما يُتاح اقتصاديا دون مُعالجة باقي المشاكل الأخرى العالقة بين الجانب، واللافت أن باريس تُريد وفق هذا المفهوم أن تُبقي الجزائر مُجرّد بقرة حلوب. ومن هذا المُنطلق فإن التصريحات الأخيرة التي جاءت على لسان رئيس الجمهورية ومن بعدها تصريحات وزير الشؤون الخارجية أبانت في الأفق بأن الجزائر ليس لديها أيّ إشكال بخصوص إمكانية التعاطي الإيجابي مع فرنسا، ومن خلال ذلك يُمكن القول بأن هناك بدايات نحو التغيير في مسار العلاقات بين البلدين التي أصبح يُنظر إليها أكثر نحو المستقبل، وكما أشرت فإن الجزائر قدّمت عربون حسن نيتها في تحقيق هذا التغيير وننتظر الآن أن تكون هناك استجابة من الطرف الفرنسي.
وأنتم تتحدّثون عن بداية التغيير في العلاقات بين البلدين، هل يعني ذلك بأن فرنسا ستحظى بنوع من الامتياز والمعاملة التفاضلية من طرف الجزائر في الجانب الخاص بالتعاون الاقتصادي، خاصة وأنها أوّل شريك، مع العلم أن زيارات أخرى مُرتقبة خلال الفترة المُقبلة وفي مقدمتها زيارة رئيس الوزراء السابق «جان بيار رافاران»؟
التصريحات الجزائرية واضحة، والأكثر من ذلك فإنها لم تصدر فقط من طرف رسميين ولكن أيضا من جانب جهات لا تُحسب لصالح السلطة، وهي كلّها تصب في اتجاه ضرورة التعامل مع الحاضر دون ربط ذلك بشكل مُباشر بالماضي، بمعنى أن كل طرف لديه الحرية الكاملة في التعاطي مع ماضيه مثل ما قاله المجاهد «عبد الحميد مهري» وعدد من المسؤولين الذين اشتغلوا في ملف العلاقات الجزائرية-الفرنسية. وبعد كل هذا ننتظر الآن أن تستمر هذه العلاقات في التطوّر على الصعيد العملي من الجانب الفرنسي خصوصا في الملفات الجيو-إستراتيجية مثل قضية التعامل مع ملف التدخّل في القوانين الداخلية للجزائر، وبالتالي الكفّ عن ذلك، زيادة على ضرورة رفع الحصار غير المُعلن من طرف أوروبا، بإيعاز مُباشر من طرف باريس، على الاستثمار الحقيقي في الجزائر وليس مُجرّد الارتكاز على الجانب التجاري الذي يحلّ مشاكل فرنسا دون بلادنا، ثم في الجانب الثالث وجوب التعاطي مع مُختلف الملفات بشكل مباشر وفي مُقدّمتها أن ترفع فرنسا يدها عن قضية الصحراء الغربية وكذا إبداء حُسن نيتها فيما يتصل بملف مُكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الصحراوي.
على ذكر التدخّل في منطقة الساحل فإن باريس تسير على خط مُواز للجزائر بخصوص التعامل مع الملفات الأمنية وعلى رأسها مقاربات مواجهة تهديدات تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، إلى أي مدى يُمكن لهذا الملف أن يُؤثر على العلاقات بين البلدين؟
المطلوب فيما يتصل بهذه القضية أن يقتنع الفرنسيون بأن استمرار سياسة التدخّل في منطقة الساحل الصحراوي لا يخدم مصالحهم على الإطلاق، وليس أدلّ على هذا الكلام أكثر من التهديدات التي أطلقها تنظيم «القاعدة» في الفترة الأخيرة عندما هدّد باستهداف كافة المصالح الفرنسية ونقل العمليات إلى داخل فرنسا ذاتها، وعلى هذا الأساس فإن باريس مطالبة بإدراك جيّد لهذا الأمر، أي أن بقاء التدخّل الأوروبي، أو الفرنسي بالدرجة الأولى في هذه المنطقة، يعني في نهاية المطاف تزايد أخطار التهديد الأمني على أراضيها وتصبح بموجب ذلك محل استهداف دائم، ولذلك فإن من مصلحتها أن تترك دول الساحل تتكفّل بحل الإشكالات الأمنية المطروحة مع الاكتفاء بتقديم دعم لوجيستي عند الضرورة وذلك بطلب من هذه الدول، وهذه هي المقاربة التي تُدافع عنها الجزائر.
لكن ألا ترون كذلك بأنه من شأن ملفات الماضي (التاريخ) أن يكون لها تأثير أيضا، بشكل مُباشر أو غير مُباشر، على المسار الطبيعي للعلاقات بين الجزائروفرنسا، أم لديكم رأي آخر في هذه المسألة؟
لا بُدّ من التعامل مع الماضي بشكل مُنفصل لأن لكل بلد ذاكرته، لكن هذا الكلام لا يعني على الإطلاق أن ننسى هذا الماضي، فنحن من جانبنا كجزائريين سنبقى نُطالب بضرورة تجريم الاستعمار وكذا الحصول على اعتذار من فرنسا، وليس من حقّ السلطة الحالية أو المُقبلة أو تلك التي ستتولى زمام الأمور في المُستقبل أن تطوي هذا الملف، وبالمُقابل فإنه من حق فرنسا الطبيعي كذلك الدفاع عن جيوشها وماضيها وتاريخها عموما، ولكن ليس من حق فرنسا أن تضغط علينا لنتجاوز هذا الموضوع بأيّ شكل من الأشكال. حاوره: زهير آيت سعادة