هاجمت الجزائر مجددا واتهمتها بالوقوف وراء أحداث مدينة العيونالمحتلة التي انتهت بقمع دموي خلف عشرات القتلى والجرحى في صفوف الصحراويين العزل، ويبدو واضحا أن الرباط تستفيد من التواطؤ المفضوح لفرنسا التي أجهضت قرارا لمجلس الأمن الدولي بإرسال لجنة للتحقيق في المذبحة. الهجوم المغربي جاء على لسان وزير الخارجية الطيب الفاسي الفهري في رده على بيان لجبهة البوليساريو عبرت فيه عن أسفها لمنع فرنسا إرسال لجنة تحقيق دولية إلى العيون من طرف مجلس الأمن الدولي، وقال الوزير المغربي حسب ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية إن "المغرب يندد بتواصل لجوء باقي الأطراف (البوليساريو والجزائر) إلى التضليل الإعلامي والتوظيف". الموقف المغربي الذي قام أساسا على إنكار وجود تململ في أوساط الصحراويين في الأراضي المحتلة، تحول إلى التركيز على وجود مؤامرة قادتها الجزائر والبوليساريو من أجل زعزعة الاستقرار في العيون، وقد ركزت وسائل الإعلام الرسمية المغربية على نشر صور لأشخاص وصفتهم بأنهم انفصاليون في إشارة إلى المناضلين الصحراويين وحملتهم مسؤولية اندلاع المواجهات، وأكثر من هذا ادعت أن تلك العناصر احتجزت سكان مخيم "اكديم يزيك" قرب العيونالمحتلة الذي كان يضم 15 ألف صحراوي قبل أن تفككه القوات المغربية في هجوم دموي صبيحة الثامن من نوفمبر الجاري، وتنقض هذه الرواية في الجوهر ادعاءات الملك المغربي محمد السادس الذي قال في خطاب ألقاه بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء إن الصحراويين، بمن فيهم اللاجئون في مخيمات تندوف، يدعمون خطة الحكم الذاتي، وتقول الحكومة المغربية اليوم أن البوليساريو هي التي تنظم الاحتجاجات في العيون بما يؤكد الدعم الشعبي لمطلب الاستقلال ولكفاح البوليساريو في الأراضي المحتلة وعلى رأسها العيون. رد الفعل المغربي يعكس حالة الانتشاء التي تشعر بها الرباط بعد رفض مجلس الأمن الدولي إرسال لجنة دولية للتحقيق في الأحداث الدامية التي شهدتها العيون، وتسعى الحكومة المغربية للاستفادة من الدعم الفرنسي المؤثر داخل المجلس من أجل الانتقال إلى الهجوم بعد أن أرغمتها الأحداث الأخيرة على التزام الدفاع خاصة في ظل استنكار دولي متصاعد وانتقادات شديدة وجهتها وسائل الإعلام الدولية لسياسة القبضة الحديدية التي لجأت إليها سلطات الاحتلال المغربي. التمادي المغربي يعتبر أولى ثمار الموقف المتخاذل لمجلس الأمن الدولي، فالخضوع للضغط الفرنسي، ورفض إرسال لجنة تحقيق دولية إلى العيون يمثل تشجيعا صريحا للقمع المغربي، وهو خيار سيؤدي إلى إشاعة حالة من الإحباط في أوساط الصحراويين من إمكانية الاعتماد على الأممالمتحدة لحمايتهم واستعادة حقوقهم، وقد بدأ بعض الصحراويين بالفعل يدعون إلى العودة إلى الكفاح المسلح من خلال مسيرات نظموها داخل مخيمات اللجوء وهو مؤشر خطير على الاحتمالات السيئة التي أصبحت قضية الصحراء الغربية أمامها اليوم. المسألة الأخرى هي أن موقف مجلس الأمن الدولي جاء ليؤكد الاستخفاف بمسألة حقوق الإنسان في الأراضي الصحراوية المحتلة، فقد رفضت الأممالمتحدة في وقت سابق أن توسع صلاحيات بعثة المينورسو لتشمل مراقبة وضع حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، وأكثر من هذا فإن موقف المنظمة الدولية من مسألة مرجعية حل النزاع يشكل تراجعا صريحا عن قرارات الشرعية الدولية التي ترتكز على مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها وهو الإطار الوحيد لحل هذا النزاع المصنف كقضية تصفية استعمار، ورغم أن الأممالمتحدة لم تعلن عن تراجعها عن هذا المبدأ إلا أن خطاب الأمين العام ومبعوثه الشخصي توحي بأن هناك سعيا إلى البحث عن بديل للاستفتاء وهو ما يرفضه الصحراويون بشكل قاطع، ويضرب هذا الغموض مصداقية الأممالمتحدة في الصميم ويهدد دورها. التوقيت الذي جاء فيه موقف مجلس الأمن كان سيئا للغاية، وسيجعل الجولة القادمة من اللقاءات غير الرسمية بين المغرب والبوليساريو عديمة الفائدة، فالرباط ستدخل هذه المحادثات في شهر ديسمبر المقبل بنية الضغط على البوليساريو لتغيير مرجعية الحل وجعل مقترح الحكم الذاتي البديل الوحيد على طاولة المفاوضات، وهذه الوضعية ستدفع إلى الفشل وإلى مزيد من الانسداد مع كل المخاطر التي يمكن أن تترتب على هذه الوضعية، فالاحتجاجات في الأراضي الصحراوية هي تراكم لسنوات من فشل الأممالمتحدة في حل القضية، والسكوت على القمع المغربي سيؤدي في النهاية إلى مزيد من القمع الذي يولد أشكالا جديدة من المقاومة تجعل النزاع مرشحا للتصعيد في المستقبل.