تمكنت الحكومة من خلال الإجراءات الأخيرة التي أعلنت عنها في أكثر من قطاع، من احتواء غليان الجبهة الاجتماعية في وقت قياسي، وهو ما ظهر بوضوح من خلال إقدام العديد من النقابات على توقيف حركاتها الاحتجاجية مثلما هو الشأن بالنسبة إلى عمال سلك شبه الطبي وكذا كتاب الضبط، إضافة إلى تخلي طلبة المدارس العليا عن خيار الحركة الاحتجاجية والتحاقهم مجدّدا بمقاعد الدراسة. تسارعت الأحداث بشكل لافت خلال الأيام القليلة الماضية على صعيد الجبهة الاجتماعية التي عرفت الكثير من الحراك على خلفية سلسلة من الحركات الاحتجاجية والإضرابات التي شملت العديد من القطاعات التي توصف ب «الحسّاسة»، وهو ما دفع بالسلطات العمومية إلى اتخاذ تدابير استعجالية لتفادي أي انزلاق أو أي استغلال في مطالب بعض النقابات التي اختارت التصعيد في هذا الظرف بالذات للضغط على الحكومة من أجل الاستجابة إلى انشغالاتها خاصة ما تعلّق منها بتحسين الأجور. وإذا كانت الاحتجاجات التي قادها الشباب في العديد من ولايات الوطن أيام 5 إلى 8 من شهر جانفي الماضي قد حرّكت الحكومة باتجاه الإسراع للإعلان عن إجراءات تحفيزية لاحتواء الوضع، فإن تعليمات رئيس الجمهورية خلال اجتماع مجلس الوزراء المنعقد في 3 من شهر فيفري الحالي كانت بمثابة الركيزة الأساسية للشروع في حوار شامل في كل القطاعات الوزارية من أجل مناقشة مختلف المشاكل المطروحة، وهو ما تعزّز أكثر خلال الاجتماع الثاني الثلاثاء الماضي. وإضافة إلى التدابير التي تمّ إقرارها في إطار تعزيز آليات التشغيل المعمول بها لفائدة الشباب البطال وحاملي الشهادات الجامعية، فإن الجبهة الاجتماعية عرفت طيلة هذه الفترة مرحلة غليان بفعل الإضرابات والتي جاء على رأسها ما حدث في قطاع الصحة بعد أن شلّ عمال سلك شبه الطبي كافة المؤسسات الاستشفائية، مطالبين من الوصاية التكفل بانشغالاتهم، ولكن بعد أسبوعين من الاحتجاج تمكنت النقابة من افتكاك التزامات جادة من الوزير «جمال ولد عباس»، فيما استقبلت أمس مصالح رئاسة الجمهورية كافة ممثلي نقابات هذا القطاع. وفي مقابل هذه التهدئة أعلنت الفدرالية الوطنية لعمال الصحة أن القوانين الأساسية المتعلقة بسلك شبه الطبيين والقابلات والبيولوجيين قد وصلت إلى مرحلة متقدمة، مثلما أطلعها المسؤول الأول بالقطاع بأن الوزير الأول وقّع رسميا على ثلاثة مراسيم تخص إنشاء معاهد عليا للتكوين في العلوم شبه الطبية وتكوين القابلات، موازاة مع تنصيب لجنة مختلطة للتكفل بإعداد النظام التعويضي لكل هذه الشرائح. ولم يختلف الوضع كثيرا بخصوص إضراب كتاب الضبط الذين قرّروا استئناف عملهم منذ الخميس على مستوى كافة الجهات القضائية بكل التراب الوطني بعد أن تمت الاستجابة لمطالبهم من قبل وزارة العدل إثر الإضراب عن العمل الذي شنوه بدورهم منذ 16 فيفري، كما تمّ التكفل بمطالب هذه الفئة على غرار باقي موظفي قطاع العدالة في المرسوم التنفيذي رقم 11- 88 المؤرخ في 22 فيفري 2011 المؤسس للنظام التعويضي لمستخدمي أمانات الضبط للجهات القضائية والذي أنشأ نظاما تحفيزيا سيستفيد منه موظفو أمانات الضبط بدون تمييز. وفي هذا الشأن تمت الموافقة خلال اللقاء الذي جمع ممثلي كتاب الضبط بوزير العدل، «الطيب بلعيز»، على «السعي لدى الجهات المعنية قصد تمكين الموظفين من سكنات بمختلف الصيغ والالتزام بتخصيص وسائل نقل في إطار الخدمات الاجتماعية لموظفي المجالس الكبرى والعمل على تعميمها بصفة تدريجية»، إضافة إلى «إخراج موظفي قطاع العدالة من الوظيفة العمومية وذلك بالتنسيق مع القطاعات المختصة ومراجعة القانون الأساسي لموظفي أمانة الضبط خاصة المتعلق بالنظام التأديبي والترقية المهنية وتوزيع المناصب العليا واستقلالية تسيير مهام أمانة الضبط في إطار القانون الأساسي وبدل الإيجار». ومن جانب آخر نجحت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في احتواء الحركة الاحتجاجية الطلابية التي قادها طلبة المدارس العليا الذين تظاهروا بالآلاف خلال الأسبوع الماضي أمام مقر الوزارة، احتجاجا على ما ورد في المرسوم رقم 10-315 المؤرخ في 13 ديسمبر 2010 من تدابير اعتبرها هؤلاء بمثابة إجحاف في حق شهادة مهندس الدولة والنظام الكلاسيكي على السواء، وقد دفعت هذه الاحتجاجات إلى إلغاء نص المرسوم بتوجيهات مباشرة من رئيس الجمهورية خلال آخر اجتماع لمجلس الوزراء. وتزامنا مع إعلان طلبة المدارس العليا استئناف الدراسة بعد يوم واحد من قرارات مجلس الوزراء الثلاثاء الماضي، فإن مصالح الوزير «رشيد حراوبية» أصدرت تعليمة تطالب فيها من رؤساء المؤسسات الجامعية بضرورة الشروع في تنظيم نقاش تشارك فيه الأسرة الجامعية بخصوص إعداد النصوص التنظيمية التي تنظم التطابقات بين النظام الكلاسيكي ونظام «أل أم دي»، كما حرصت على أن يشرع في هذا النقاش العام بين الأساتذة والطلبة والمسيرين على مستوى المؤسسات مع الحرص على التقيد الصارم بالآجال الزمنية ومستويات تنظيم النقاش طبقا للجدول الزمني المحدد والذي يدوم أربعة أسابيع.