دعت الجزائر إلى التوصل إلى إجماع عربي بخصوص خليفة عمرو موسى في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، ويمثل هذا الموقف إشارة واضحة إلى أن العلاقات الجزائرية المصرية عرفت تحولا كبيرا بعد سقوط نظام حسني مبارك، غير أن الجزائر حريصة على ألا يتم هذا التحول على حساب علاقاتها بقطر التي تقدمت هي الأخرى بمرشح للمنصب بعد لقائه وزير الخارجية مراد مدلسي أول أمس قال المرشح المصري لمنصب الأمين العام للجامعة العربية مصطفى الفقي إن "وزير خارجية الجزائر أكد خلال اللقاء حرص بلاده على التوصل إلى إجماع حول مرشح لخلافة الأمين العام الحالي للجامعة العربية عمرو موسى"، وأضاف المتحدث أن مدلسي أكد أن "الجزائر لا تساند أي مرشح، كما أنها لا تعارض أي مرشح، بل تدعو إلى اختيار يقوم على الإجماع، خاصة وأن الجامعة العربية تمر بفترة مفصلية في تاريخها، بسبب ما يحدث في بعض الدول "، وتابع الفقي: " اللقاء أظهر حرص الجزائر على عدم اللجوء إلى التصويت في مسألة اختيار الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية، وبدلا من ذلك يتم التوصل إلى إجماع حول المرشح القادم ". ويحمل الموقف الجزائري رسالتين واضحتين، الأولى هي أن الجزائر لا تمانع في دعم المرشح المصري، وهو ما يعني أن الأزمة التي مرت بها العلاقة مع القاهرة طويت بشكل نهائي، أما الرسالة الثانية فتقول إن الجزائر لا تريد أن يكون التعبير عن نواياها الحسنة تجاه مصر على حساب علاقتها بقطر التي رشحت هي الأخرى الأمين العام السابق لمجلس التعاون الخليجي عبد الرحمن العطية لهذا المنصب، وبين الرسالتين هناك تفاصيل مهمة، فإلى حد الآن لم يتضح موقف دول مجلس التعاون الخليجي، فالعطية قد يكون مرشح الدول الست والتي قد تتبعها دول متحالفة معها تقليديا مثل المغرب والأردن، وفي هذه الحالة سيكون من الصعب فرض المرشح المصري وسيتم اللجوء إلى التصويت، والأهم هنا ليس مجرد العلاقة مع إحدى الدولتين المعنيتين بالترشح بل الأهم هو موقف الأمين العام، فالإجماع سيقوي موقف الأمين العام القادم ويسهل مهمته في بناء موقف عربي موحد حول القضايا التي تواجه الأمة خاصة في ظل الظروف الإقليمية الخطيرة التي تمر بها وهذا ما أشار إليه وزير الخارجية عندما استقبل المرشح المصري مصطفى الفقي. إشارة الجزائر إلى عدم الاعتراض على المرشح المصري تمثل أول خطوة تجاه العهد الجديد في القاهرة بعد الاتصال الذي بادر به رئيس الوزراء المصري عصام شرف بالوزير الأول أحمد أويحيى للاعتذار عن محاولة اعتداء الجماهير المصرية على الحكام الجزائريين الذين أداروا مقابلة فريق الزمالك المصري مع النادي الإفريقي التونسي قبل نحو شهر من الآن، وكانت تلك الخطوة تأكيدا على أن القاهرة تسلك طريقا جديدا وأن الأزمة التي حدثت مع الجزائر هي من المساوئ التي تحسب على الرئيس المخلوع ونظامه البائد، وقد أبان رد أويحيى على شرف عن تفاعل إيجابي من جانب الجزائر مع القيادة الوطنية في مصر، وهذا الموقف ينسجم تماما مع حرص الدبلوماسية الجزائرية على عدم التدخل في شؤون الغير، وقد قال وزير الخارجية مراد مدلسي إن الجزائر مع الشعوب ولا تدعم الأنظمة ردا على أسئلة طرحت حول عدم إصدار الجزائر موقفا واضحا من انتفاضة الشعب المصري في حينها، وقد أصبح رحيل نظام مبارك الذي تسبب في الأزمة مع الجزائر عاملا مساعدا على التطبيع. والحقيقة أن الجزائر حرصت أثناء الأزمة، سواء من خلال المسؤولين أو من خلال وسائل الإعلام العمومية، على عدم الانزلاق نحو الحرب الإعلامية، وقد أثار الموقف المتأني والرصين للدولة الجزائرية تقدير الجزائريين في الداخل والخارج، وعزز الاعتقاد بأن كل ما جرى كان مسألة داخلية مصرية حيث تم افتعال أزمة دبلوماسية مع الجزائر من أجل تحويل الأنظار عن ضياع حلم المصريين في التأهل إلى نهائيات كأس العالم، وقد ظهر منذ البداية حجم الرهان السياسي الذي كان مرتبطا بهذا الحلم والخيبة التي ترتبت عن الإقصاء، وقد كان من المتوقع بداية أن تهدأ الحملة الإعلامية بعد فترة امتصاص صدمة الإقصاء رغم أن وسائل الإعلام المصرية تجاوزت كل الحدود في تهجمها على الشعب الجزائري ودولته ورموزه. ورغم أن بعض الرسميين المصريين أدلوا بدلوهم في الحملة فإن الموقف الرسمي الجزائري ظل ملتزما بعدم الخلط بين المواقف المعبر عنها في الاتصالات التي تجري عبر القنوات الرسمية والتي قال مدلسي إنها لم تنقطع أبدا، وبين المواقف التي يتم التعبير عنها في وسائل الإعلام سواء من طرف بعض الإعلاميين والمثقفين أو حتى بعض المحسوبين على النظام الحاكم ومنهم أبناء الرئيس المصري المخلوع. القراءة الرسمية الجزائرية لمساعي القاهرة كان قد تحدث عنها وزير الخارجية مراد مدلسي في حديث لجريدة الشروق نشر مؤخرا وأكد فيه أن اتصال شرف بأويحيى تم فهمه على أنه تعبير عن الرغبة المصرية في تجاوز آثار الأزمة التي عرفتها العلاقات بين البلدين وأنه اعتذار عن كل الانحرافات التي تم تسجيلها في السابق، ويأتي الرد الجزائري الآن عمليا من خلال هذا الموقف المتزن من مسألة ترشيح الفقي لمنصب الأمين العام للجامعة العربية، فضلا عن الالتزام بدعم القيادة الوطنية المصرية.