وضع الرئيس «بوتفليقة» في تدخله أمام مجلس الوزراء المنعقد الأسبوع الماضي خطوطا حمرا لا يمكن أن تتجاوزها الإصلاحات، وبالنظر إلى هذه الخطوط يرتسم المدى الذي يريد الرئيس لهذه الإصلاحات أن تبلغه دون أن تكون سببا في انقسام سياسي أو حدوث شرخ جديد في المجتمع. كان حديث «بوتفليقة» واضحا عن المحرمات التي لا يجب الاقتراب منها، فقد قال: «إن الدستور ينص في مادته 178 أنه لا يسوغ لأي تعديل دستوري المساس بالطابع الجمهوري للدولة والنظام الديمقراطي القائم على التعددية الحزبية والإسلام من حيث هو دين الدولة والعربية من حيث هي اللغة الوطنية الرسمية والحريات الأساسية وحقوق الإنسان والمواطن وسلامة التراب الوطني، ووحدته وكذا العلم الوطني والنشيد الوطني بصفتهما رمزين للثورة والجمهورية، ومن ثمة فما عدا هذه الثوابت الوطنية ستعكس القوانين التي ستتم مراجعتها وكذا مشروع مراجعة الدستور وما سيصدر ديمقراطيا عن الأغلبية من أراء واقتراحات»، وإضافة إلى ما ينص عليه الدستور فقد وردت التزام من الرئيس بأن الإصلاحات «لن تخل بالوفاء لإرادة الشعب الذي نبذ دعاة العنف من الحياة السياسية»، وهو ما يعني أن الممنوعات هي تعديل الثوابت الوطنية وعودة الحزب المنحل ورموزه إلى النشاط السياسي. هذه المُحرمات هي في حقيقتها ضمانات تقدم للمجتمع على أن الإصلاحات لن تكون عملية هدم لما تم بناؤه في السابق، وأنها لن تكون سببا في العودة إلى الوراء، فقضية الثوابت الوطنية يمكن أن تفتح جدالا لا ينتهي حول قضايا أساسية لعل من ضمنها مسألة جعل الأمازيغية لغة رسمية وهي قضية لا تحظى بالإجماع الوطني، ثم هناك قضية الوحدة الوطنية التي تواجه الآن مشروع علنيا بالانفصال تحمله الحركة من أجل استقلال منطقة القبائل التي يقودها «فرحات مهني». من الناحية السياسية تقدم الخطوط الحمر التي وضعها الرئيس تبريرا سياسيا لرفض خيار المجلس التأسيسي الذي طالبت به جبهة القوى الاشتراكية وحزب العمال، فالمجلس التأسيسي يفترض فيه أن يضع القواعد الجديدة للدول من خلال صياغة دستور، وهذا الدستور الجديد يكون موضع توافق بين الجميع أي أنه يطرح للنقاش كل التفاصيل ولا يقف عند أي ثابت من الثوابت، وهذا قد يدخل البلاد في جدل قد لا ينتهي، وقد يضرب الإجماع الوطني حول الثوابت في الصميم مع ما يمثله ذلك من تحد مخيف لوحدة البلاد واستقرارها، ومن هنا فإن الإصلاحات لن تكون بأي حال من الأحوال إعادة بناء الدولة من نقطة الصفر، ولن تشكل قطيعة كاملة مع نصف قرن من الاستقلال. على مستوى منع الحزب المنحل ورموزه من العودة إلى النشاط السياسي فإنه من الواضح أنه يدخل ضمن تكريس مبدأ أساسي في الممارسة الديمقراطية وهو عدم جواز اللجوء إلى العنف كوسيلة للوصول إلى السلطة تحت أي مبرر كان، فالحزب المنحل ورموزه اليوم لا يمثلون أي ثقل سياسي على الأرض، وقد أثبتت الانتخابات التي جرت خلال السنوات الماضية انحسار تأثير الخطاب الإسلامي السياسي على الناخبين، وتؤكد الأحداث التي شهدتها البلدان العربية منذ مطلع العام الجاري أن قدرة الإسلاميين على التأثير تراجعت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وهذا يشير إلى أن رفض عودة الحزب المنحل ورموزه إلى الساحة لا علاقة له بالتوازنات السياسية على الأرض، وأنه لا يعكس تخوفا من إمكانية سيطرة هذا الحزب على السلطة من خلال العمل السياسي بل يشير إلى الالتزام بنبذ كل من يلجأ إلى العنف في الممارسة السياسية، وهو أمر يجب أن يتحول إلى ثابت في الثقافة السياسية، وإضافة إلى هذا فإن الأمر يتعلق بغلق باب الجدل حول المأساة الوطنية والتي يريد البعض أن يجعلها موضوعا للنقاش السياسي كمدخل لإعادة النظر في تحديد المسؤوليات، والحسم في هذا الأمر بقرار سياسي ينسجم تماما مع ما أقره الجزائريون من خلال تزكيتهم الواسعة لميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي طوى هذه الصفحة بشكل نهائي. وعلى صعيد آخر يعتبر التأكيد على منع رموز الحزب المنحل من العودة إلى العمل السياسي إشارة إلى أن الإصلاحات ستكون خطوة أخرى إلى الأمام ولن تعود بالجزائر إلى الوراء بأي حال من الأحوال، كما أنها لن تكون سببا في إحداث شرخ جديد في المجتمع من خلال الإساءة إلى ذاكرة الآلاف من الجزائريين الذين فقدوا أرواحهم وهم يدافعون عن الجمهورية الجزائرية كدولة مستقلة وموحدة.