يستبعد الخبير في الشؤون المغاربية، الأستاذ الدكتور «إسماعيل دبش»، إمكانية أن تُقدم الجزائر على فتح الحدود مع المغرب في المستقبل المنظور، ويُرجع هذا التشاؤم بالأساس إلى عدم توفر الشروط الضرورية لمثل هذه الخطوة، متهما في هذا الحديث الذي خصّ به «الأيام» بعض العناصر في النظام المغربي بالعمل ضد مصلحة شعب المملكة وشعوب المنطقة عموما، كما يُجزم بأن المخزن منزعج من تنامي الدور الإقليمي لبلادنا في السنوات الأخيرة ما دفع به إلى التحرّك باتجاه إجهاض هذه المكانة بأي ثمن. عاد ملف العلاقات بين الجزائر والمملكة المغربية إلى الواجهة في الأيام الأخيرة عقب تصريح الوزير الأول «أحمد أويحيى» الذي اتهم من أسماه «اللوبي المغربي» بالوقوف وراء تحريك اتهامات بلادنا بإرسال مرتزقة إلى ليبيا. كيف قرأتم موقف رئيس الجهاز التنفيذي وهل لمستم فيه تغيّرا في الخطاب الجزائري؟ ** التوضيحات التي قدّمها الوزير الأول قبل أسبوع هي استمرار لسياسة الجزائر تُجاه بناء اتحاد المغرب العربي من خلال تقديم تصور بشأن توفير الشروط الموضوعية لذلك والتي هي أساسا غير متوفرة لدى الطرف المغربي، ويأتي على رأسها عدم احترام الشرعية الدولية في موضوع تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية. ثم إن أية علاقات بين بلدين تُبنى بالاحترام المتبادل وتوازن في المصالح، وهما المبدآن الغائبان لدى النظام المغربي، ولذلك فإن هذا الوضع هو الذي تسبب في غلق الحدود واستمراه. هناك نقطة أخرى تتمثل في أن التوازن غير متوفر بحكم أن المغرب هو المستفيد الأكبر من العلاقات الاقتصادية مع الجزائر، وما حصل في 1994 هو فشل ذريع للمملكة المغربية في إدارة علاقة مع دولة تحترم الشعب المغربي، ويعود ذلك إلى تأثير عناصر داخل النظام السياسي التي عملت على تذكية الصراع والتوتر لخدمة مصالح خاصة على حساب مصلحة الشعب المغربي والمغرب عموما، وهذا يُبيّن أنه ليس هناك أي مشكل بين الشعبين. وحتى أن استمرار الجمود في القضية الصحراوية يصبّ في مصلحة هذه العناصر في النظام المغربي التي تُحقق أرباحا بملايير الدولارات من خلال نهب موارد الشعب الصحراوي، وهذه العناصر التي تحدثت عنها لها امتدادات مع عناصر في فرنسا وأخرى في الحكومة الإسبانية وهي تدير الوضع وفق ما تقتضيه مصالحها الضيقة.
* هناك من تعاطى مع التطوّرات في مواقف المغرب وتهجمه على الجزائر على أساس انزعاجه من تنامي الدور الإقليمي لبلادنا خاصة في التعامل مع المسائل الأمنية. هل تعتقدون أن هذا الطرح صحيح؟ ** أودّ التوضيح أنه لم يُثبت في تاريخ الجزائر المستقلة أنها اتخذت موقفا أو تعاملت مع حدث على أساس أن لها توجهات توسعية في المنطقة، ومقابل ذلك فإن المغرب أظهر أطماعا توسعية أثبتها التاريخ كونها لم تعترف بموريتانيا إلا في العام 1969، ثم أقدم بعدها على احتلال الصحراء الغربية وطالب بامتداد أراضيه إلى نهر السنغال، أما النقطة الثانية فإنها مرتبطة بالوضع في الساحل حيث إن المغرب غير معني بهذا الجانب إلا إذا سلمنا بالطبع بسياسته التوسعية. وبالعودة إلى سؤالكم أقول أنه منطقيا وموضوعيا فإن للجزائر حدودا تمتد على 3 آلاف كلم من الناحية الجنوبية، وبالتالي فإن استقرار هذه المنطقة يعنيها بالدرجة الأولى، وهو الاستقرار الذي لا ترغب فيه المملكة المغربية الأمر الذي أكدته التصريحات الأخيرة لمسؤولين مغاربة تهجموا على الجزائر بشكل صارخ. ومن ثم فإنه لا يُمكن للجزائر أن تمنع نفسها من الاعتراف الدولي لأنها قوة إقليمية ولها تاريخ متجذّر ومواقف أساسية وأفعال في الواقع، وهي ترفض أي إدارة في الوضع الإقليمي عندما يتعلق الأمر بالتدخل في الشؤون الداخلية، وهذا موقف سيادي يخدم جميع الدول بما فيها أوروبا وأمريكا وأحسن دليل على ذلك ما قاله قائد "أفريكوم" في زيارته الأخيرة إلى بلادنا التي اعترف خلال بالطرح الجزائري. ويظهر الدور الإقليمي البارز الذي لعبته الجزائر من خلال نجاحها في جمع بلدان منطقة الساحل من أجل تشكيل جبهة موحدة ضد الجماعات الإرهابية والبارونات، وهو ما يتأكد بتأسيس مؤسسات عسكرية واستعلاماتية وحتى الدخول في مشاريع تنموية مشتركة لإدارة الوضع في هذه المنطقة، وسيتعزّز هذا الدور المتصدّر أكثر بعد تنظيم المؤتمر الإقليمي حول مكافحة الإرهاب أواخر السنة الجارية. إذن هذا الوضع المتميز والتنامي المتزايد لدور الجزائر على المستوى الإقليمي يُزعج حقيقة النظام المغربي ويُثير غضبه رغم موضوعيته، فالمملكة ترغب دوما في تصدير أزماتها الداخلية من خلال محاولة اختلاق مشاكل مع بلادنا خصوصا عندما يتعلق الأمر بالوضع في الصحراء الغربية. ولا أفوّت الفرصة هنا للإشارة إلى أن المغرب أبدى موقفا سلبيا للغاية تجاه الجزائر خلال الأزمة التي مرت بها في العشرية السوداء، وهناك عناصر تلذذت بالمأساة التي عاشتها بلادنا.
* نفهم من خلال هذه المعطيات أن فتح الحدود لن يكون خيارا مطروحا في المستقبل المنظور على الأقل، أم تتوقعون بروز مؤشرات جديدة غير المتوفرة حاليا؟ ** عند الحديث عن مسألة فتح الحدود يجب التأكيد على أن العلاقات بين الجزائر والمغرب لم تتأثر بذلك حيث وقفنا عليه على مدار الأشهر الأخيرة التي شهدت تبادل زيارات على أعلى مستوى، وما يحدث هو أن المملكة المغربية لم توفر الشروط الضرورية التي كانت وراء قرار غلق الحدود في العام 1994 بما في ذلك التحكم في عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود، بل أنا أجزم بوجود عناصر داخل النظام المغربي تُشجع على ذلك. زيادة على ذلك فإن عدم سحب النظام المغربي لتصريحاته الرسمية الاستفزازية ساهم هو الآخر في إبقاء الوضع على ما هو عليه، فالنظام المغربي لا يزال يُحاول إقحام بلادنا في قضية الصحراء الغربية رغم أنه يتفاوض فعليا مع طرف واحد ووحيد وهو جبهة البوليسارريو، وبالتالي فإن هذا التفاوض هو اعتراف في حدّ ذاته، وما يحصل بخصوص هذه القضية هو أنه ليست هناك إرادة من أجل الوصول إلى حلول جدية، بل العكس هو الحاصل لأن المغرب يتهرب من الواقع بالسعي وراء الترويج وإلصاق التهم غير المسؤولة للجزائر.
* لكن بخلاف هذا التحليل فإن مواقف الشعبين تسير على عكس المواقف الرسمية. إلى أيّ مدى يُمكن لهذا الجانب أن يؤثر بشكل إيجابي نحو إعادة التطبيع في العلاقات الثنائية؟ ** بالتأكيد لأن ما نُشاهده اليوم وما وقفنا عليه قبل أيام يجلعنا نكتشف بأن هناك شعبا مغربيا أقوى من الجميع حتى من النظام نفسه، واعتقادنا أن إرادة هذا الشعب هي التي ستنتصر في النهاية، فهذا الشعب هو الآن رهينة هذا اللوبي المغربي، وقناعتي أيضا أن العلاقات الطبيعية بين الشعبين سوف تُفعّل. كما يجب أن ندرك كذلك أن هناك أحزابا سياسية وجميعات داخل المملكة المغربية خرجت وجهرت بموقفها المقموع وعبّرت بوضوح عن مواقف جريئة لا تتماشى مع الإيديولوجية التي تدافع عنها هذه اللوبيهات، وأذكر على سبيل المثال حزب النهج الديمقراطي ومنظمات حقوق الإنسان التي أدانت القمع المغربي الذي استهدف الشعب الصحراوي في منطقة أكديم أزيك أواخر العام الماضي. هذا الحراك يُعبر بوضوح أن هناك قوى سياسية تستقطب الرأي العام المغربي، والإرادة الشعبية هي التي ستدفع حتما باتجاه فتح الحدود وتطوير علاقات ثنائية مؤسسة بين دولتين، وبالتالي الانطلاق في بناء صرح مغاربي مؤسّس، هذا التجمع الذي كان النظام المغربي وراء فشله طيلة المرحلة السابقة والدليل قراره الأخير بالانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي الذي لا تربطه به لا مؤشرات تكامل اققتصادي ولا ارتباط جغرافي، وإنما هذه الخرجة هي مناورة جديدة مُبيّتة للتأثير سلبا على مسار التكامل بين بلدان المغرب العربي.