بقلم: عبد القادر رالة/ الجزائر اقترب مني أحد الطلبة وقال بأدب: هل تسمح يا أستاذ؟.. نعم تفضل ! وجلس بجانبي على المقعد الاسمنتي الذي يتوسط حديقة الثانوية....تفرست فيه جيدا فلم يكن أحد الطلبة الذين أدرسهم... اعذرني يا أستاذ...إذ أنا تجرأت وقطعت عليك خلوتك... لا داعي للاعتذار..وإن كنت لا تدرس عندي إلا أني أعتبر كل طلبة الأقسام طلبتي...فإن كان بإمكاني الإجابة عن أسئلتك..أو أوضح درسا غمض عليك.. صمت ولم يجب,وإنما رأيت الاحمرار قد كسا وجهه فتحول إلى حبة طماطم ! أي مشكلة؟ ما أريده يا أستاذ لا علاقة له بالدروس.. أثار جوابه استغرابي وفضولي, ولا يبدو من هيئته انه محتاج الى استلاف نقود ! عطرك ! عطري ! قلت مندهشا... أي ماركة من العطور تستخدمها يا أستاذ؟ عطرك مميز ! ... ولما ذا تسأل عن عطري؟...أنت لا تدرس عندي,فكيف عرفت أنه مميز؟... في الحقيقة يا أستاذ..أنا..أعذرني على سوء أدبي...أنا أحب فتاة تدرس معي..أحبها من أعماق قلبي...وهي لا تعيرني أدنى اهتمام...وإنما منشغلة بك ..وبعطرك ! صمت ولم أقل شيئا,فتشجع هو وواصل حديثه: لما تمر يا أستاذ بجانب قسمنا فإنها تنجذب بشكل عجيب إلى الرائحة التي تنبعث من ملابسك...ولما يكون باب حجرة الدرس مفتوحا أراك أنت..وإذا مر غيرك فإنها لا تتحرك.. ولما تكون أنت فإنها تسهو مرات عديدة عن متابعة الدرس حتى يعنفها الأساتذة...وأعذرني..يا أستاذ..إني أخاف أن ينتقل الإعجاب من عطرك إلى شخصك..أخاف أن تقع في حبك.. ماذا تقول؟ألا ترى أني أستاذ يستحق الاحترام؟...وأين حرمة التعليم المقدسة؟ أنا لست مراهقا مثلكم ! أعرف ذلك يا أستاذ..لكن أنت ربما لا تعرف الفتيات... قاطعته بحزم: المشكل ليس في الطالبات..وإنما فينا نحن..وأنا ملتزم حدودي..الحب أمر..المراهقة أمر أخر..الواجب أمر أخر..أما أن أحب إحدى طالباتي فأمر مختلف كلية..وسيء... إني أحبها كثيرا يا أستاذ...تصور أن حياتي بدونها لا تساوي شيئا..في الأيام الأخيرة سمعتها تبدي إعجابها بك أمام صديقاتها...خفت عليها منك.. لم أعرف بماذا أرد عليه أو ما ذا أقول له؟....أنا أيضا في مراهقتي مررت بمثل ما يمر به الآن ..عواطف غير مستقرة...تشوش ذهني...لكني ما فكرت أبدا أن يزيغ بصري نحو طالباتي...حرمة التعليم..هن أمانة في عنقي..يسألني الله عنها..ولا أستطيع أن أخون قطاع التعليم...ولا خيانة أولياءهن الذين يثقون فينا.... لم أستطع أن أنسى حواري مع ذاك الطالب,فلما عدت إلى مخدعي..نظرت إلى قارورة العطر الموضوعة بجانب كتبي..وقررت أن لا أتعطر في الغد... وكم كانت دهشتي كبيرة,أمر لا يصدق...بعد أسبوع ولما كنت جالسا في الحديقة لوحدي كعادتي...اقتربت مني فتاة جميلة ترتدي مئزرا بنفسجيا..وقفت أمامي ثم قالت بحياء أنثوي ساحر: الحمد لله..على سلامتك يا أستاذ...الحمد لله على شفائك..لقد قلقنا عليك كثيرا... لم أكن مريضا ! لم تكن مريضا لم أكن مريضا...ومن قال أني مريض؟......وكيف عرفت أني مريض؟..... عطرك يا أستاذ ...لم أشم عطرك المميز هذه الأيام الأخيرة ...فاعتقدت أن غيابك بسبب المرض....