دفع وقوع مدينة «كونا» المالية تحت سيطرة جماعة «التوحيد والجهاد» في غرب إفريقيا، المجتمع الدولي إلى التحرّك بعد أن استدعت فرنسا مجلس الأمن إلى اجتماع طارئ الخميس نتج عنه التحذير من خطورة هذه الخطوة على أمن المنطقة، وهو ما يعطي الانطباع بأن التوجّه نحو تسريع الخيار العسكري في شمال مالي أصبح أكثر من ضرورة على إثر عجز الجيش النظامي في وقف زحف الجماعات المتطرّفة. شكّل سقوط مدينة «كونا» التي تقع على بعد نحو 600 كيلومتر إلى الشمال الشرقي من العاصمة «باماكو»، خسارة كبيرة للقوات الحكومية التي زعمت في وقت سابق أنها تحقق تقدما في القتال بينها وبين تحالف المتمردين المرتبطين بتنظيم «القاعدة». ونقلت وكالة «رويترز» عن مقيمين في هذه البلدة أن المعارك استمرت ساعات وبانتهائها استعرض المتمردون ذوو التسليح الكثيف صفوفهم منتصرين في وسط البلدة قائلين إنهم سيواصلون الهجوم للاستيلاء على بلدتي «موبت» و«سيفيري» المجاورة علي بعد 50 كيلومترا جنوبا. وقال المتحدث باسم حركة «التوحيد والجهاد» في غرب إفريقيا، «عمر ولد حماها»، للوكالة «لقد استولينا على الثكنة ونحن نسيطر الآن على بلدة كونا كلها. فرّ الجنود تاركين أسلحتهم الثقيلة ومركباتهم المدرعة». وقد أثارت أنباء سقوط مدينة «كونا» حالة من الذعر في «موبتي» و«سيفيري» وتضم الأخيرة ثكنة كبيرة ومطارا عسكريا، وتقع المدينتان على مفترق طرق بين الشمال الصحراوي والجنوب الأكثر خضرة وسكانا. وقد صرّح المدير المحلي لوكالة مساعدات أمريكية معلّقا على الوضع: «تلقينا أوامر بالجلاء. وقد سحبنا موظفينا والمواد الخاصة بنا من موبتي بالفعل»، فيما أشار دبلوماسي للأمم المتحدة إلى أن تدخلا لقوات إفريقية توافق عليه الأممالمتحدة ليس محتملا قبل سبتمبر بسبب العوائق والقيود المتصلة بالإمداد والنقل لكن القوى العالمية قد تقرر التحرك بصورة أسرع. وفي زيارة إلى «باماكو» الخميس أوضح «رومانو برودي»، المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى منطقة الساحل الأفريقي، بشكل مقتضب: «إذا استمرّ الهجوم فأعتقد أنه سيصدر قرار طارئ من المجتمع الدولي». وتبعا لهذا التصعيد الجديد سارع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى عقد مشاورات طارئة في «نيويورك»، واتفق في اجتماع لأعضائه ال 15 مساء الخميس على بيان مشترك عبّروا فيه عن «قلقنا البالغ مما تردد من أنباء عن تحركات عسكرية وهجمات من قبل جماعات إرهابية متطرفة في شمال مالي ولاسيما استيلائهم على مدينة كونا». وقال مجلس الأمن بعد الاجتماع الذي طلبت فرنسا عقده «هذا التدهور الخطير للوضع يعرض استقرار مالي وسلامة أراضيها لمزيد من المخاطر ويشكل خطرا مباشرا على السلام والأمن الدوليين»، وكرّر البيان الدعوات إلى إعادة الديمقراطية في مالي، وحثّ أعضاء الأممالمتحدة على «تقديم المساعدة إلى قوات الدفاع والأمن المالية للحدّ من الخطر الذي تشكله المنظمات الإرهابية والجماعات المرتبطة بها». كما طلب مجلس الأمن «النشر السريع» للقوة الدولية في مالي أمام «التدهور الخطير للوضع» على الأرض، ودعا الدول الأعضاء إلى «مساعدة قوى الأمن المالية على الحدّ من التهديد الذي تمثله المنظمات الإرهابية، وأضاف «حتى اللحظة، أرسل المجلس رسالة لردع الإرهابيين عن التقدم نحو جنوب» مالي باتجاه العاصمة «باماكو»، واصفا عمليات المجموعات المسلحة بأنها «هجوم إرهابي». ولفت البيان إلى أنه في حال لم تتم الاستجابة إلى هذه الرسالة فإن مجلس الأمن «قد يجتمع مجددا نهاية الأسبوع الجاري للرد بحزم أكبر»، وقال إن «استمرار الحكومة المالية وحماية المدنيين باتا على المحك، إنه من الملحّ التحرك في مواجهة هذا التهديد». وبرأي السفير الفرنسي فإن تقدّم المسلحين الذين سيطروا الخميس على منطقة «كونا» يمكن تفسيره بأنه «عرض قوة في إطار التفاوض السياسي، وهو القرار بالتقدم نحو الجنوب قبل وصول القوة الإفريقية». ومن جهتها أشارت السفيرة الأمريكية في الأممالمتحدة، «سوزان رايس»، إلى أن باماكو «طلبت دعما خارجيا، تحديدا من جانب فرنسا»، ولخصت الرسالة التي أرسلها «تراوريه» قبل يومين إلى «فرانسوا هولاند» بالقول: «إنها تقول بالمختصر: النجدة يا فرنسا»، ثم أوضحت أن «إجماعا واضحا» حصل في مجلس الأمن بشأن «خطورة الوضع وحق السلطات المالية في البحث عن أي مساعدة ممكنة».