كانت طائرات "رافال" تستعد للإقلاع لقصف أهدافها في سوريا، بعدما أعطى الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند تعليماته الرسمية، وفكت قيادة الأركان شيفرة بداية الهجوم الجوي الفرنسي الأمريكي على سوريا، بل كان البلاغ الرسمي رقم 1 جاهزاً للبث. قرار الحرب اتخذ والساعة الصفر حددت والبلاغات وتوقيت بث صور الحرب، كل شيء كان جاهزاً في انتظار مكالمة من أوباما تعطي الضوء الأخضر ضربات جوية ضد منصات صواريخ ومراكز اتصالات الجيش الرابع المسؤول عن الكيماوي وزارة الدفاع تسرب وثائق السلاح الكيماوي إعداداً للرأي العام قبل الضربة المقررة ليلاً أوباما يخذل هولاند و "رافال" تطير لقصف الجيش الرابع السوري كان ذلك السبت 31 أوت لكن في اللحظة التي كادت فيها الطائرات تقلع نحو سوريا، جاء الأمر المضاد: ألغيت العملية، أكرر، أكرّر ألغيت العملية. لم يكن ذلك سيناريو فيلم أو مشهد تلفزيوني، بل كان متابعة دقيقة من مجلة "لونوفال أوبسيرفاتور" الفرنسية للحالة العامة التي كان عليها مقرّ قيادة العمليات الحربية الفرنسية بعد ظهر السبت 31 أوت. وقالت المجلة الفرنسية أمس، إن الرئيس الفرنسي قرر مهاجمة سوريا بعد اجتماعات تواصلت إلى الثالثة من فجر السبت، انتهت بمصادقة الرئيس على خطة الهجوم، بالاشتراك والاتفاق مع واشنطن، وكانت القناعة في قيادة أركان الحرب وبين المسؤولين القلائل المخوّلين باتخاذ هذا القرار، أن الضربة الأولى ستكون في حدود السابعة مساء بتوقيت باريس. وقالت المجلة: "كانت الإعدادات تجري على قدم ساق بعد صدور قرار الحرب، وفي الثامنة من صباح السبت تلقى بول جون أوريتز رسالة من ضابط الاتصال المناوب تفيد بطلب باراك أوباما إجراء مكالمة هاتفية مع هولاند في السادسة والربع من مساء نفس اليوم، ما جعل الجميع يعلم أن مجلس حرب سيقام مباشرة بعد المكالمة للبدء في العملية العسكرية". وأضافت المجلة، كان ذلك كافياً لتدخل قيادة الأركان ووكالات المخابرات المدنية والعسكرية، إضافة إلى وزارات الدفاع والداخلية والخارجية، في حالة غليان كبير بسبب السباق ضد الساعة، لمراجعة تفاصيل العملية وخطة الهجوم. وكانت الخطة تقضي ببداية الضربة الجوية في الثالثة من فجر الأحد بتوقيت دمشق، ونقلت المجلة عن مسؤول رفيع المستوى تحت غطاء السرية" كانت الخطة تقضي بتوجيه ضربات كبيرة لمنصات الصواريخ ومراكز اتصال الجيش الرابع، المكلف بالسلاح الكيمائي" وكانت عشرات طائرات "رافال" المنطلقة من البحر المتوسط تستعد لإرسال صواريخها من المياه الدولية، وقالت المجلة إن قيادة الحرب الفرنسية رفضت القصف انطلاقاً من تركيا "لحرمان الأسد من قصف جاره ما كان يعني تدخل حلف الناتو للرد على عدوان سوريا على دولة عضو فيه"، وأضاف المسؤول" كلّ التفاصيل كانت جاهزة، ما كان ينقصنا فقط أمر القصف، لكن الرئيس ترك ذلك القرار لأوباما". وقالت "لونوفال اوبسيرفاتور": كان هاجس الرئيس هولاند رفض الرأي العام الفرنسي للحرب وعدم قبوله لمقارنته بتوني بلير، عند اندلاع حرب الخليج، لذلك قرّر "رفع السرية" عن بعض الوثائق، واستباقاً للضربة الأولى مساء نفس اليوم، سرّبت وزارة الدفاع الوثائق إلى صحيفة "لوجورنال دو ديمانش" تصدرها في عدد الأحد. في الثانية والنصف بعد الظهر، انتهت الجهات المعنية من "وضع الخطة الإعلامية والاتصالية المناسبة، وتشمل الصور التي يمكن بثها في الأخبار التلفزيونية، والصّور التي تظهر تطوّر العملية مع اشتداد القصف"، إلى ذلك وضع فريق المستشارين قائمة بالشخصيات والمسؤولين الدوليين الذين يجب إحاطتهم بالقرار، قبل تنفيذ الضربات "واتفقت اللجنة على أن يهاتف هولاند المستشارة ميركل مباشرة، بعد مكالمة اوباما المنتظرة مساء". كيف أمكن لهولاند وقياداته العسكرية الوقوع في فخّ الثقة العمياء في أن اوباما سيهاجم سوريا؟ هكذا تساءلت المجلة، وهي تلتقي مسؤولين كباراً في الدولة تحت غطاء السرية "مباشرة بعد الضربات الكيمائية وبعد الاتصالات بين هولاند وأوباما، وبعد التصريحات النارية التي صدرت من واشنطن، انطلقت قيادات الأركان في باريس وواشنطن في العمل لوضع خطة الضربة العسكرية". ويضيف أحد المطلعين على الملف "يوم الخميس، قبل يومين من الموعد المفترض للهجوم اتصلت سوزان رايس مستشارة أوباما للأمن ببول أوريتز لتؤكد له مضي الولاياتالمتحدة في المشروع العسكري رغم تراجع بريطانيا، ورغم الفشل في الأممالمتحدة وحتى رغم معارضة قطاعات واسعة من الحكومات والرأي العام الأوروبي"، بعد ذلك بيوم واحد "اتصل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بنظيره الفرنسي لوران فابيوس هاتفياً عدداً لا يحصى من المرات، وكان يؤكد في كل اتصال أن اوباما طلب منه إعداد الرأي العام لتقبل الضربة العسكرية". وفي المساء نفسه نشرت الولاياتالمتحدة أدلّتها وحججها على استعمال الكيمائي في سوريا. في نفس اليوم اتصل أوباما بهولاند ليقول له "لم أقرّر بعد الإذن بضربة عسكرية، لكن ذلك يمكن أن يكون قبل أو مباشرة بعد قمة دول مجموعة العشرين" ثم أضاف" لنتواصل غداً أو بعد غد". واعتماداَ على هذه المؤشرات ترسخت في الإليزيه قناعة بعد إخطار الصباح، أن اوباما حزم أمره، لذلك صدر الأمر بالمرور إلى أقصى مستويات الاستعداد، وانطلقت الآلة العسكرية تزمجر في انتظار أمر القصف. وفي السادسة والربع تماماً بتوقيت باريس، قال أوباما لهولاند وسط ذهول الحاضرين الذين كانوا يستمعون إلى المكالمة: "قرّرت أن أخوضها، يعني الحرب، لكن بعد الحصول على موافقة الكونغرس". كانت الصدمة والمفاجأة شديدة على هولاند، وبعد محاولات يائسة لم يصرّ أكثر على إقناع اوباما بالعدول عن رأيه، وغادر القاعة ليلتحق بإجتماع القيادات العسكرية والأمينة ليقول في كلمات معدودة: "اطلبوا من طائرات رافال العودة إلى قواعدها فوراً، سنحاول مرة أخرى عند توفر فرصة سانحة جديدة". وقالت المجلة: كان هولاند يفكّر في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة وفرصة تمرير قرار يجيز استعمال القوة ضد سوريا، لكن مناورة بوتين الدبلوماسية نسفت آخر آماله في ضرب سوريا.