بُنيت الكعبة في الدهر خمس مرّات وقيل أكثر بحساب الترميم وما قام عليها من أعمال أخرى، ومن هذه المرات البناء الموجود حاليا والذي تغير عن البناء السابق الذي هدمه «الحجاج»، حيث قام بإعادة الركنين، كما سدّ الباب الذي فتحه «ابن الزبير» قبله، وسده بيّن إلى الآن، وجعل في الحجر من البيت دون سبعة أذرع، وعلامة ذلك في داخل الحجر لوحا مرمر منقوشان متقابلان في الحجر، وصار عرض وجهها -وهو الذي فيه الباب- أربعة وعشرين ذراعا، وقيل إن الكعبة بُنيت مرتين أخريين غير الخمس المعروفة؛ إحداهما بناء العمالقة بعد «إبراهيم»، والثانية بناء «جرهم» بعد العمالقة، وقال «السهيلي» "إنما كان ذلك إصلاحا لما وهى منه، لأن السيل قد صدع حائطه، وكانت الكعبة بعد إبراهيم عليه السلام مع العمالقة وجرهم إلى أن انقرضوا، وخلفتهم فيها قريش بعد استيلائهم على الحرم لكثرتهم بعد القلة وعزهم بعد الذلة، وكان أول من جدد بناءها بعد إبراهيم قصي بن كلاب وسقفها بخشب الدوم وجريد النخل"، وروى «الطبراني» عن «أبي سعيد الخدري» أن أول من جدّد الكعبة بعد «كلاب بن مرة»، «قصي»، وحكى «السهيلي» أن أول من اتخذ للكعبة غلقا تبع، ثم ضرب لها «عبد المطلب» بابا من حديد، وهي الأسياف القلعية التي كانت مع الغزالين الذهب، وهو ما استخرجه «عبد المطلب» من بئر زمزم، كما احتفرها بعد ما طمّها «الحارث بن مضاض»، لما أخرج الله «جرهم» من مكة بسبب إحداثهم في الحرم واستخفافهم به، وبغي بعضهم على بعض، فتغور ماء زمزم وعمد «الحارث» إلى ما كان عنده من مال الكعبة وفيه غزلان من ذهب وأسياف قلعية، كان «ساسان» أهداها للكعبة، وقيل «سابور»، وجاء تحت الليل ودفن ذلك في زمزم وعفى عليها، ولم تزل دارسة حتى حفرها «عبد المطلب»، واستخرج ذلك كما هو مذكور في موضعه، واتخذ «عبد المطلب» من الغزالين المذكورين حلية للكعبة، فهو أول ذهب حليت به الكعبة، فلما جاء الإسلام وآلت الخلافة إلى «الوليد بن عبد الملك»، بعث إلى وَالِيه على مكة «خالد بن عبد الله القسري» بستة وثلاثين ألف دينار، فضرب منها على باب الكعبة صفائح الذهب، وعلى الميزاب وعلى الأساطين التي في جوفها، وعلى الأركان، وهو أول من ذهب البيت في الإسلام، وذكر «السهيلي» أن الذي عمله «الوليد» هو ما كان من مائدة «سليمان بن داود» عليهما السلام من ذهب وفضة، حمل إليه من طليطلة من جزيرة الأندلس وكانت لها أطواق من زبرجد وياقوت، وكانت قد احتملت على بغل قوي فتفسخ تحتها، ثم لما آلت الخلافة إلى «الأمين»، رفع إليه أن الذهب الذي عمله «الوليد» قد رقّ، فأرسل إلى عامله على ضواحي مكة «سالم بن الجراج» بثمانية عشر ألف دينار ليضربها صفائح على بابا الكعبة، فقلع ما كان على الباب من الصفائح وزيد عليها ثمانية عشر ألف دينار، وضرب الصفائح والمسامير وحلق الباب والعتبة.