انتقلت "الأيام الجزائرية " إلى مقر القصبة التي تقع بالضاحية الشمالية لمدينة بجاية، أين نظمت جمعية محافظة وترقية التراث لولاية بجاية ندوة صحفية تمحورت حول العراقيل والمشاكل التي تعاني منها الجمعية على أرض الواقع. وأثناء دخولنا التقينا بالأمين العام للجمعية «جلولي مالك»، والذي رحب بنا، ووجدنا في الرواق بعض التحف الفنية التي صنعتها أنامل لشاب موهوب من منطقة «تيزي» بجاية، الذي استعمل مواد بسيطة جدا من فلين ورمل ومحارات البحر، حيث كانت معروضاته إبداعا حقيقيا في ميدان الفن، وكانت محل إعجاب للزوار والمتوافدين إلى القصبة، ثم قمنا بزيارة خاطفة إلى مسجد «ابن خلدون» الذي تحول إلى مكتبة بها حوالي 4000 عنوان و20000 نسخة من مختلف الميادين العلمية مما جعل طلبة الجامعة يأتون إليها للمطالعة وتصفح بعض الكتب التي يحتاجون إليها لتحضير بحوثهم العلمية قاعة المعلوماتية تعاني من تشقق في الجدران، انعدام الصيانة وغياب عمال النظافة لكن ما لفت انتباهنا هو ما يخص قاعة المعلوماتية أو الميدياتيك التي تتوفر على أجهزة الإعلام الآلي، إلا أنها لم تنطلق بعد في الاستغلال، وحسب المكلفة بها، فإن الأمر يتعلق بعدم حصولهم على رخصة من قبل المكتبة الوطنية المتواجدة في العاصمة، باعتبار أن مكتبة بجاية عبارة عن ملحقة لمكتبة «الحامة» بقرار من وزيرة الثقافة والاتصال أثناء زيارتها إلى عين المكان سنة 2006، وما شد انتباه "الأيام الجزائرية " هي الوضعية السلبية التي تتواجد بها هذه القصبة وكأنها هيكل بلا روح، فهي تعاني من غياب النظافة، انعدام الصيانة، غياب عمال النظافة، تشقق في الجدران وصدوع في أركانها..، وخلال الندوة الصحفية تحدث الأمين العام لجمعية حماية وترقية التراث عن تشاؤمه الكبير إزاء ما يحدث للتراث والمعالم التاريخية التي ما تزال صامدة مدة قرون وهي تصارع من أجل البقاء، لكن للأسف كما قال المتحدث أن المسؤولين المحليين لا يكترثون ولا يهتمون بالتراث إطلاقا، كون أن بعض الآثار والمعالم التاريخية التي هي عنصر من عناصر الذاكرة التاريخية تعاني الانهيار والاندثار في أية لحظة مثل «باب البنود»، «باب الفوقة»، «باب البحر»، قصر العدالة سابقا الذي من المفروض تحويله إلى مدرسة الفنون الجميلة بقرار من وزارة الثقافة، لكن مؤخرا هناك من يطالب بهدمه كلية واستبداله ببناية جديدة وكذا مقام الولي «سيدي يحي أبو زكرياء» المتواجد في ميناء البترول، "زاوية يحي القرطبي" المتواجدة بمنطقة "بئر السلام"، زاوية "سيدي بومدين" الواقعة في المدينة القديمة، ومعالم أخرى محاطة ببنايات تكاد تختفي عن الأنظار. الوالي يعطي تعليمات صارمة لمديرية الثقافة وحسب المتحدث فإن والي بجاية في زيارته الأخيرة التي قادته إلى عدة مواقع تاريخية على مستوى مدينة بجاية أعطى تعليمات صارمة للبلدية ولمديرية الثقافة باتخاذ إجراءات ملموسة للمحافظة وصيانة الإرث الثقافي والتراثي المتنوع الذي تزخر به الولاية، إلا أنه لا شيء تجسد على أرض الواقع، وفي سياق الحديث قال «جلولي» بأن الجمعية تطالب الإدارة باسترجاع الأرشيف الخاص بالتراث لمدينة بجاية وكذا التحف الفنية المتواجدة في متاحف سطيف، الجزائر العاصمة وتلمسان وحتى في فرنسا واسبانيا، مع التنديد باستغلال المواقع التاريخية والتراثية في أعمال الشعوذة، وأشار إلى انتشار مشعوذين في مقام يما قورايا، الذين شوهوا سمعة الولاية وصورة عاصمة الحماديين التي كانت مرجعا لتكوين العلماء والفقهاء ومركزا إشعاعيا وعلميا وحضاريا منذ أن وطأت أقدام البشرية هذه الأرض الطيبة مدينة بجاية تحاول أن تسترجع حضورها في المناسبات الوطنية وتحاول بجاية بمحدودية إمكانياتها أن تسجل حضورها في المناسبات الوطنية والمتعلقة بالثقافة والفن والتراث، وعليه فإن المتحدث يطالب السلطات العمومية وعلى رأسها والي الولاية باتخاذ إجراءات ملموسة لحماية التراث والذاكرة التاريخية للأمة من خلال مساعدة الجمعية من جهة والبدء في أشغال ترميم وإصلاح المعالم والآثار التاريخية التي توجد على شفى حفرة من الانهيار والزوال بسبب تعرضها للشقوق والتصدعات، ويضيف المصدر بأنه لا يمكن لأية أمة أن تتقدم أو تفكر في المستقبل بمعزل عن تاريخها المجيد الحافل بالبطولات، والحضارة هي جزء هام من تاريخ الإنسانية، كما أن الحضارة هي تراث بجوهرها، وللإشارة فإن قلعة القصبة بنيت في سنة 1154 م في عهد الموحدين، فكانت في البداية عبارة عن حي من أحياء المدينة التي أسسها الحماديين، وفي القصبة مسجدا كان يدرس فيه العلامة «ابن خلدون»، حينما كان حاجبا لدى سلطان الحماديين، وقد حولها المستعمر الفرنسي إلى ثكنة عسكرية، حيث دمر أجزاء كبيرة من القلعة، وبعد الاستقلال وفي سنة 2006 شرعت وزارة الثقافة والاتصال آنذاك برد الاعتبار إلى هذه القلعة التاريخية، وقامت بأعمال ترميم وصيانة لمسج «ابن خلدون» وحولته إلى مكتبة وهي ملحقة للمكتبة الوطنية ب «الحامة» .