وفاء للفن تستمده من اسمها العريق في الساحة الغنائية وصوت لا تزال تبحث عن صدى له في آذان الجمهور الجزائري ومشوار من العطاء للأغنية الصحراوية والجزائرية لا حدود له.. هي صاحبة ''حنا جيناكم زيار'' التي طالما زارت بها قلوبنا لتصبح وحيدة تترقب من يزورها في أيام تقول إنها ''مأساوية''.. بيتي بلا سقف .. الأمراض أرهقتني وأريد العودة سألناها عن أحوالها فوجدناها تكابد مشاكل جمة كانت أكبرها متاعبها الصحية التي تقول إنها تمكنت منها وأرهقتها ولم تبق منها شيئا عدا جمال صوتها و قوة حنجرتها التي بقيت ذهبية أصيلة بالرغم من كل المحن التي ألمت بها.. وبين هذا وذاك، تعترف الفنانة مريم وفاء بأنها أضعف من أن تتحمل كل هذه الأوزار التي صارت تخجل من الحديث عنها وهي التي تعودت أن تغني للحب والفرح دون أن تنعم يوما بطعمهما.. هكذا هي مريم بن هنية أو مريم وفاء كما أسماها المخرج لمين بشيشي، وفاء التي تبحث اليوم عن مصدر للرزق حتى لا تسأل الناس، لتوفر لها ولابنها الوحيد محمد ذي العشرين ربيعا بعضا من الاحتياجات التي أثقلت كاهلها، قبل أن تضيف أم محمد بصوت مرتجف وممتلئ بالحزن والأسى، بأنها تعيش في بيت لا سقف له وتخاف أن يقع هذا البيت يوما من هشاشته التي تسببت فيها الزلازل والفيضانات، مضيفة بعد أن أخذت أنفاسها وطلبت المغفرة من الله ''وين نروح.. تعبت ومللت من الشكوى'' لتسكت بعدها برهة وتتمالك نفسها من بكاء رأيناه وشيكا على وجهها الذي أتعبته الأيام، وتعود للحديث عن معاناتها مع الحياة في بلد قالت إنه ''لا يعترف بالفنانين ولا يسأل عنهم إلا إذا دفنوا تحت التراب''، وتتأسف صاحبة ''يا حميم'' على نسيانها وهي التي أفنت حياتها في خدمة الفن والأغنية الجزائرية وتحدت في سبيل ذلك كل من حاول منعها من الغناء في بداياتها، خصوصا عائلتها التي كانت تعارض غناءها بشدة، كما أخبرتنا محدثتنا التي اعترفت بأنها وجدت متنفسا في حديثها إلينا عن وضعها المزري الذي لا يتناسب مع اسم صنعته منذ أن ظهرت لأول مرة في حصة ''ألحان وشباب'' التي أقنعت فيها جميع الموسيقيين والشعراء بقدراتها الصوتية العالية التي أهلتها للانضمام إلى المجموعة الصوتية لدار الإذاعة، لتنطلق بعدها في مسيرتها الفنية التي زينتها مجموعة من الأغاني لا تزال خالدة على غرار الأغنية الشهيرة ''حنا جيناكم زيار قاصدين الدار'' و''جاي اليوم''، ''لي نحبو''.. وغيرها من الأغاني التي تنوعت طبوعها من الصحراوي والبدوي إلى المالوف والوهراني وحتى الشرقي. صحيح أننا كنا نتحدث إلى نجمة في سماء الأغنية الجزائرية، لكن رغم ذلك، غابت الأغنية وغاب اللحن معها لتطغى المشاكل اليومية والمعاناة التي تعيشها ''طاطا مريم'' كما يحلو لها أن نناديها، على كامل اللقاء. كنا نعتقد بأن اللقاء سيكون فنيا، غير أن ما حدث هو اصطدامنا بواقع مؤلم بطلته فنانة تقول إنها لم تجن من الفن شيئا يذكر.. لا على الصعيد المادي أو المعنوي. ولأنها يئست من أن تبرمج يوما في حفلات للغناء أو أن يطلبها أحد لذلك، أو المشاركة في مختلف التظاهرات الفنية والثقافية التي تقام هنا وهناك، توجهت الفنانة مريم وفاء إلى الخياطة.. هذه المهنة التي ما كان لها أن تحترفها لولا الظروف القاسية التي تمر بها ''أم محمد'' على حد تعبيرها، حيث كشفت لنا عن موهبتها في التفصيل والخياطة متخذة من بيتها المهدد بالسقوط ورشة لذلك على أمل أن يجد نداءها آذانا صاغية وقلوبا رحيمة..