دون سابق إنذار غدرت الطريق بأعز نجو م الفن الجزائري وهم في أوج عطائهم ليصدموا جمهورهم برحيلهم المفاجئ ويتركوا الساحة تعيش الفراغ والوحشة.أثار رحيل فنان الأغنية الشاوية المرحوم "كاتشو" في الأيام القليلة الماضية الكثير من الألم والصدمة، هذا الفنان الذي خطفته المنية وهو في طريقه إلى بيته بباتنة ليصبح رقما في سجل الضحايا الذين تحصدهم الطرقات، وهو الذي صدح بمواويله الأوراسية وبرقصاته الشاوية الأصيلة فما عاد بين جمهوره وترك مكانه شاغرا. لعل حادثة "كاتشو" أعادت شريط الذكريات الأليمة إلى الجمهور الجزائري الذي شهد نفس هذه الحادثة مع نجوم آخرين قتلتهم الطريق. من لا يذكر رحيل الفنان الكبير دحمان الحراشي في أحد حوادث المرور في 31 أوت سنة 1980 أي في نفس الشهر الذي توفي فيه "كاتشو" عن عمر ناهز 51 سنة وكان حينها قد أنتج فيلما تلفزيونيا بعنوان "صح دحمان" يروي عودة فنان مغترب إلى أرض الوطن فيتفنن في وصف حنينه إلى وطنه وأهله ويشارك من خلال أغانيه في عدة مناسبات عائلية وأفراح ليغني للعرس، وللحومة" و"للقصبة" ولغيرها. الفراغ الذي تركه صاحب رائعة "يا الرايح" لم يستطع أحد أن يعوضه بعده ولا يزال تراثه الغنائي مدرسة فنية مفتوحة. اسم آخر رحل هو الآخر في عز العطاء وفي عز الشباب وهو الفنان الشعبي كمال مسعودي الذي راح ضحية حادث مرور في 10 ديسمبر 1998 بالعاصمة، الراحل سطع نجمه بسرعة البرق وقفز بالأغنية الشعبية إلى القمة لكن نجمه انطفأ بنفس السرعة، لم يكتمل مشروعه بتجسيد رؤية جديدة لتطوير الشعبي واكتشاف نوبات جديدة اندثرت مع الزمن. أحب كمال مسعودي فنه الذي وصل إلى الجميع ولامس وجدان الجميع لتبكي "الشمعة" لفراقه كما بكى هو لتضحيتها وصبرها. أما الفنان الراحل سامي الجزائري فلا يزال مدرسة فنية مفتوحة للأجيال فمن من هؤلاء الشباب لم يتأثر به ويعيد أداء أغانيه الناجحة منها "الراحلة" "يا بنات الجزائر" "راضية" وغيرها ولا يزال الكثير من الفنانين يؤدونها وتلقى النجاح الكبير. سامي الجزائري الفتى الوسيم الذي كانت طلته تسبي جمهوره، كان رحمه الله أنيقا وجميلا وحاضرا بأخلاقه. سامي الجزائري أو علي كانوني (اسمه الحقيقي) ابن ناث بويحيا عرش أث دوالا بتيزي وزو لذلك فقد أدى التراث الغنائي القبائلي في أجمل صورة بفضل صوته القوي والمعبر فغنى "أيا حداد الفضة" و"وردية" وغيرها من الأغاني التي لا تزال تغنى وتبث على أمواج الإذاعة الوطنية. تميز الراحل بأدائه لكل الطبوع منها الشعبي، العصري، القبائلي، الحوزي، الشرقي وقد تعامل كثيرا في مشواره مع الراحل محبوباتي. يذكر الجمهور آخر حصة تلفزيونية ظهر فيها الراحل سامي وهو في كامل أناقته علما أن أغنية هذه الحصة لا تزال تبث إلى يومنا من حين إلى آخر وهي أغنية "يا بنات الجزائر" كان يغني وهو يستعمل نظارته الشمسية ويلمس سترته الجلدية وهو يداعب الميكروفون حينها تحدث الى المنشطة التلفزيونية قائلا "كبرنا وتقدم بنا السن" وأشياء أخرى من هذا القبيل فردت عليه "مازالت البركة" وبعد هذه الحصة بزمن قصير حدث ما حدث في حادث مرور في أفريل سنة 1987. أما ذكرى رحيل الممثلة الكبيرة ياسمينة فلا تمحى على الرغم من مرور 30 سنة على وقوعها حيث تعرضت لحادث مرور مؤلم في طريقها من آرزيو إلى وهران نهاية السبعينيات وكانت حينها برفقة بعض زملائها الفنانين الذين توفي بعضهم ونجا البعض الآخر ومن الناجين الفنان والمخرج الكبير محمد الشريف عياد، كانت الفنانة ياسمينة حينها في جولة فنية لتقديم أحد العروض لكن موعد القدر كان يتربص بها. النجمة ياسمينة حققت شهرة واسعة في العديد من الأفلام السينمائية منذ بداية ال60 مع "الليل يخاف من الشمس" لمصطفى بديع و"أبناء نوفمبر" لموسى حداد والسلسلة التلفزيونية مع محمد حلمي وغيرها وقد بدأت تشق طريقها الى الساحة العربية حيث خطفت الأنظار إليها ونالت الجوائز خاصة بدمشق بمشاركاتها المسرحية. ياسمينة ابنة المناضل الكبير في حزب الشعب السيد دوار الذي اغتالته فرنسا ارتبطت بالأفلام الثورية ثم الأفلام الاجتماعية وكانت البطلة الأولى دائما والقادرة على تجسيد أي دور بقيت حاضرة وقدوة للمثلات الشابات ولم يستطع الوسط الفني أن يعوضها هكذا رحل هؤلاء ولم تبق إلا ذكرياتهم وتراثهم الذي هزم غيابهم.