حسناء شعير عرفت العاصمة اللبنانية بيروت طيلة عقود طويلة من الزمن، على أنها مدينة العرب الأولى التي تقدس الكتاب، بل إن البعض راحوا إلى أن الاقتصاد اللبناني ككل يعتمد على مصدرين رئيسيين هما النشر والسياحة. وعلى هذا كانت بيروت دوما محجا لمئات المثقفين الأجانب والعرب وأبرز الكتاب الجزائريين الذين ينشرون أعمالهم هناك ضمانا للانتشار والترجمة والنقاش والشهرة من أبوابها الواسعة. ويختلف الأمر حاليا عن “العصر الذهبي للكتاب” في بيروت، حيث تراجع الإقبال على الكتاب بشكل رهيب جعل من المراقبين وأصحاب دور النشر يطرحون أكثر من سؤال. وطرح تقرير لموقع “الجزيرة نت” هذا الموضوع تحت عنوان “ربيع العرب.. خريف الكتاب في بيروت”، حيث تقول صاحبة المقال جنى فواز الحسن “مساحات واسعة من دون زوّار في معرض أنطلياس ببيروت، وكتب تنتظر على الرفوف كأنّها تراقب المارة معاتبة وصامتة، ولكن لا صدى لأنينها. “كُتب..، هل ما زال هناك من يقرأ؟”، تساؤل يطرحه الكثير من اللّبنانيين حين تسألهم عن واقع الحال. يطرح البعض السؤال بسخرية والبعض بأسى، والبعض الآخر يحاول أن يجمّل الحقائق ويأبى الاعتراف بأن بيروت باتت مدينة مأزومة ثقافيا. مساحة القلم هنا باهتة، ربما هو نمط الحياة الاستهلاكي الذي دخل لبنان في أتونه بعد الحرب، وربما هو اليأس من المعرفة والاستسلام لسياسة الموت الصامت الذي يعيشه هذا الوطن”. وتمضي الكاتبة قائلة “كلّ هذه التكهّنات والاحتمالات واردة، ولكن الأمر المؤكّد هو أن أروقة معرض أنطلياس الذي يحمل اسم المهرجان اللبناني للكتاب تكاد تخلو من المارّة. قد يكون مردّ ذلك إلى أن هذا المعرض -الذي يعود إلى ثلاثة عقود، والذي تنظمه الحركة الثقافية في أنطلياس سنويا- ليس المعرض الأساسي في لبنان، أي هو مختلف عن المعرض السنوي الذي ينظّم في قلب العاصمة بيروت من قبل النادي الثقافي العربي، ولكن هذا أيضا ليس السبب الوحيد.. فمعرض الكتاب العربي -الذي جرت العادة أن يكون في (البيال) لا يعكس التفاعل الثقافي الذي يرقى إلى درجة تحث على التفاؤل بمستقبل الكتاب في لبنان، وليس بالطبع محفّزا للأمل، خصوصا حين يشعر القارئ أو المثقف بأنّه في خضم الضجيج الحيوي الذي يرافق أوان إزهار ربيع العرب، يظلّل الفراغ خريف الكتاب في بيروت”. وتؤكد جنى فواز أن معرض “أنطلياس” نشأ خلال الحرب اللبنانية بسبب الانقسام المذهبي بين اللبنانيين الذي قسّم بدوره البلد جغرافيا وشطره إلى نصفين، فكان لا بد من إنشاء حركة ثقافية في الجهة “الشرقية” للمدينة حيث غالبية السكان من الطائفة المسيحية. وبقي طابع المعرض -الذي يقام قرب كنيسة “السيدة” في المنطقة- مسيحيّ الطابع. وتنقل فواز عن الكاتبة اللبنانية ماري القصيفي قولها إنّ “مدينة بأكثر من معرض أفضل بكثير من مدينة بمعرض واحد، ولكن لا يعني ذلك طبعا أن لا مآخذ على سياسة هذه المعارض الثقافيّة والأدبيّة”. وتعتبر القصيفي أنّ “مهرجان أنطلياس للكتاب -الذي انطلقت أعماله لسدّ حاجة برزت خلال الحرب اللبنانيّة حين تقطعت أوصال العاصمة- لا يزال كأنّه يعيش تجربة المؤقّت أو الحالة العابرة والطارئة. وعلى الرغم من مرور أعوام طويلة على بدء نشاطاته، لا يزال يبدو وكأنّه نسخة عن معرض آخر -ليس قطعا معرض بيروت- أو تجربة أولى تحتاج إلى كثير من التمارين”. وإذ تؤكد أن ندوات مهرجان “أنطلياس” وحفلات تكريم المبدعين فيه أهمّ من كونه معرضا للكتاب، تعترف القصيفي بأن “دور نشر عربيّة كبيرة تغيب عن المعرض الذي تكاد أروقته تخلو من الزبائن، لولا حفلات التوقيع وزيارات تلامذة المدارس”. من ناحية أخرى، يعتبر أمين سر “الحركة الثقافية” الكاتب جورج بارود أنّ صغر مساحة العرض هو العائق الأساسي أمام توسّعه، وسبب غياب الدور العربيّة عنه، فالمساحة “تعطي طابعا حميميا للمعرض وتحفظ له نوعا من الخصوصية، ولكن المؤسف أن هذه الحميمية تفتقر إلى الدفء الذي يمكن أن نشعر به إن كانت نسبة زوّاره كبرى”. ويتمنى بارود لو يستطيع المعرض استقطاب شريحة أوسع من اللبنانيين. والأزمة غير محصورة في “أنطلياس” بحسب أمين العلاقات العامة للمعرض جوزف أبي صالح، الذي يشير إلى أن “غياب التنسيق بين المؤسسات الثقافية اللبنانية وعدم قدرتها على إيجاد مساحة مشتركة للتعبير عن همّ موجود لدى الجميع، هو ما يعمّق مأزق الكتاب في لبنان”. ويضيف أبي صالح “المشكلة أن التعامل مع الثقافة لم يعد من منطلق الحرص على أهميتها أو الحرص على نشر المعرفة بقدر ما تحوّلت الثقافة إلى وسيلة دعائية وترويجية لجهات أو أشخاص محددين.. نعم، نحن نعاني من مأزق، المأزق ليس ثقافيا فحسب، بل هو انعكاس الوضع الاجتماعي والسياسي على المواطن اللبناني المستغرق في الهمّ المعيشي”، على حد تعبيره.