تتغيّر الخريطة السياسية في العالم العربي بشكل سريع.. بعدما حافظت على نمطها التقليدي لأزيد من نصف قرن، لقد ظلت النظم الوطنية هي السائدة في العالم العربي بعد الانقلاب على الملكيات في مصر وليبيا والعراق، لصالح القوى الثورية التي تآكلت فيما بعد لأسباب متعددة، اختلطت فيها العوامل الداخلية بالخارجية. ولم يعرف العالم العربي زلزالا بحدة ما يعيشه خلال العقد الجاري منذ أن اطاح ثوار ليبيا بالملكية السنوسية، إلى أن "هرب" الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، ثم أعقبه سقوط واحدة من أعتى الديكتاتوريات في بلادنا العربية، عندما سقط حسني مبارك متأثّرا بصيحات الرحيل القادمة من ميدان التحرير. بعدها خرج "ثوار" ليبيا الذين تلقوا دعما قويا من حلف الناتو على قائد ثورتهم العقيد معمر القذافي عقب أشهر قليلة من بيعة الخيمة. والمثير في قضية التمرد هذا أن الذين بايعوه بالوفاء وعاهدهم بالإصلاح، هم أنفسهم الذين حركوا مسيرات الرحيل، لذلك سمعنا القذافي يقول: من أنتم؟ وهو الذي كان يعتقد أن اتفاق الصلح بينه وبين المحركين الفاعلين لايزال قائما. اليوم ها نحن نعيش كآبة عربية لم يسبق أن عهدناها، أولا: لأنّ النظم التي خلفت ما كان قائما من ديكتاتوريات، بدت عاجزة عن طرح البديل الديمقراطي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي الفعّال، كما أن بعضها ظهر في عباءة أسوأ من مظهر النظام البائد الذي سبقه. ثانيا أن أغلب تلك النظم تسابق فيها التيار الإسلامي إلى سدة الحكم، ولم يكن بمقدوره أكثر من مسايرة الشارع، وهو الآن رهينة اعتبارات أقوى من إمكانياته، رغم أنه تنازل تنازلا كليا عن الكثير من الخطوط لتي كان يدافع عنها بما في ذلك التطبيع مع إسرائيل، حيث مصر الإخوانية لاتزال متعهدة باحترام اتفاقيات السلام مع إسرائيل، وحيث حكومة الغنوشي مازالت تحافظ على نفس التقاليد العلمانية في إدارة شؤون المجتمع، رغم ذلك فإن الصورة العامة لمظهر تلك البلدان لم تعرف الكثير من التغيرات وفي مستويات عدة. العالم العربي لايزال بعد ما يسمى ثورات الربيع يعيش مرحلة مخاض طويلة لم تنته، رغم سقوط الأنظمة التي خلفتها قوى إسلامية في الغالب كانت تشكل الخط الأول في دفاعات المعارضة، والإخوان في مصر نموذجا، ورفقاؤهم في تونس، وفي المغرب حيث يحكم الإسلاميون دون أن يملكوا، أما في ليبيا فالوضع مختلف رغم أن رموز التيار الإخواني هم من أشعلوا فتيل الثورة على القذافي، وفي اليمن لاتزال بنية منظومة الحكم لم تتشكل بعد. وفي سوريا، هناك الحرب القاسية في مسار هذه الثورات لم تعرف نهايتها بعد، حيث تتشكل قوى جد متطرّفة، أثّرت بشكل مباشر على مواقف المجتمع الدولي من دعم الجيش الحر، وتبيّن أن تلك القوى المتطرفة دعّمت من حيث لا تدري النظام السياسي الموالي للأسد، ومن مصلحة الغرب الإبقاء على دكتاتوري هناك على المغامرة بترك مستقبل سوريا بيد جماعات متطرفة يمكن أن تحول سوريا إلى ساحة إلى "الجهاد" على الطريقة الأفغانية". العالم العربي لايزال يتشكل إذن، وحالته ضعيفة جدا، ومن الصعب عليه اتخاذ أبسط موقف موحد، كان بالإمكان اتخاذه قبل سنوات قليلة فقط، العالم العربي مصدوم ومريض، يعاني من التفكك، ومن جحيم الفتن الدينية والطائفية والمذهبية والسياسية ولا يمكن له القيام بأبسط دور لا في محيطه ولا في المجمع الدولي وإلا ما كانت أثيوبيا لتتطاول على مصر وتمنع عنها مياه النيل.