من المفارقات الاجتماعية والاقتصادية أنه في الوقت الذي تعيش فيه مصر أزمة غاز البوتان، تعرف السوق الجزائرية أزمة جديدة اسمها أسعار السكر. ويبدو أن تطابقا حصل في الخواطر بين القاهرةوالجزائر مادام بلخادم يقول إنه لا مشاكل بين البلدين وأن العلاقات الثنائية راسخة، وكأن بلخادم يطلب منا نسيان حرق العلم الوطني وسبّ الشهداء أو هو يحضر لتلقيح مشاعرنا بجرعات حزبية من ''الأدرينالين''.لكن جرعة هذه المادة سيكون لها تأثير عكسي لأنها تؤدي إلى الزيادة في نبضات القلب وهذا يسمى بلغة الطب الفعل الأدريناليني الذي لا يمكن التكهن بنتائجه. أزمة السكر في الجزائر أزمة مفتعلة أو تعبير سياسي بفعل اقتصادي يريد أن ''يطلع'' السكر للجزائريين على طريقة سكان ديار الشمس لأن مادة الإثارة، إثارة مشاعر الطبقة المحرومة والفقيرة، متوفرة في فعل الزيادة الخطيرة لأسعار السكر. فماذا يقول أرباب السكر عن هذه الزيادة؟ الإجابة نقرأها في تصريح يسعد ربراب ليومية وطنية: ''بلوغ سعر مادة السكر سقف 100 دينار للكيلوغرام الواحد أمر جد عادي، كما يمكن اعتباره سعرا معقولا مقارنة بالأسعار المتداولة حاليا في السوق العالمية، حيث بلغ سعر المادة أرقاما خيالية''. أي أن ربراب الذي يتناول فطور الصباح بقائمة طويلة من ''الملاحق'' يعتبر السعر ''نورمال'' لعائلة تتألف من 6 أفراد تستهلك 5 كلغ من السكر شهريا ودخلها لا يتجاوز 10 آلاف دينار.. هذه العائلة مضطرة لشراء البطاطا ب50 دينارا والطماطم ب 90 دينارا والبصل ب70 دينارا والعدس ب130 دينارا بعد تخفيض سعره طبعا، ودفع مستحقات الكهرباء وقائمة لا تنتهي من الاحتياجات..قد يكون السعر ''نورمال'' لو كانت هذه العائلة ''تعلف'' السكر فقط. الأغرب في قضية السكر والزيت في بلادنا أننا نتعامل مع الملف من منطق أشخاص وليس الحكومة، وكأن للسكر والزيت حكومة ثانية تسيّره. لكن ماذا تقول الحكومة حول أزمة السكر، هل هي من صلاحيات وزارة التجارة أو وزارة الصحة؟ لأن المسألة تبدو أكثر تعقيدا مما نتصور. وهل يخاطب المواطن حكومته أم حكومة السكر؟ ربما نجد الحل لدى جهة أخرى.. إنها الفيدرالية الوطنية للصناعات الغذائية، فقد صرح رئيسها ليومية وطنية في 13 أكتوبر أن القطاع الخاص هو السبب في ارتفاع أسعار السكر. وقال ليومية ''النهار'' بالتاريخ نفسه : ''إن السلطات المعنية أخطأت لما قامت بخوصصة المؤسسات العمومية الثلاث المنتجة للسكر الواقعة في كل من خميس مليانة، مستغانم وفالمة، حيث أصبحت المادة هذه محل تلاعب بين أيدي المالكين الجدد لها، ممن يضعون ضمن أولويات أهدافهم تحقيق المزيد من المكاسب المادية على حساب جيب المواطنين''. كلام هذا السيد منطقي جدا لأن المواطن أصبح فعلا أسير حكومة موازية، تماما كما حدث ذات يوم من تلاعب بأسعار البطاطا، ما يحدث اليوم لأسعار المواد الاستهلاكية. إن ربراب قد يكون محقا في كلامه عندما يعتبر سعر المائة دينار للكلغ الواحد من السكر سعرا معقولا مادام جل الجزائريين ''طلع'' سكرهم دون سابق إنذار، وقد يضطر هذا السيد إلى وقف استيراد المادة لأن الجزائريين سيصلون في يوم ما إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من السكر المترسب في دمائهم الذي عوض الكريات البيضاء. لكن اللوم لا يقع على سيد السكر في الجزائر، بل على من وضع الأطر والقوانين لنصبح أسرى مزاج ''سكر'' الآخرين ونحن الذين نملك آبار النفط والغاز وخزائن المال الوفير، هل يعقل هذا؟ تماما كما يتساءل ''المصاروة'' في القاهرة عن سر أزمة الغاز في بلدهم الذي يصدر هذه المادة لإسرائيل، ألا يدعو هذا للشفقة في بلد يسلم ثروته للعدو الذي حارب العرب واغتصب أرضهم وقدسهم؟ عندما رأيت صور الطوابير الطويلة للمصريين من أجل الظفر بقارورة غاز في هذا الشتاء، أدركت كم نحن بحاجة إلى الشفقة..نحن الشعوب العربية.. فلا أعتقد أن واحدا من آلاف المصريين الذين يقفون لساعات من أجل قارورة غاز كان غندوريا متحمسا لشتم الجزائر من أجل الكرة قدر تحمسهم لتهشيم رأس مبارك جراء أزمتهم الاجتماعية. حتى الجزائريون الذين يرددون اليوم ''وان تو ثري'' لم يشاه