إجراءت طويلة في المحكمة الأوروبية قد تؤخر تسليم الخليفة لأشهر أخرى إعلان السلطات القضائية البريطانية عن تسليم عبد المومن خليفة المتابع فيما تعرف بفضيحة القرن إلى الجزائر، والذي أعاد القضية إلى ساحة التداول مجددا بعد مرور ما يقارب العشر سنوات من انفجارها، لا يبدو أنه سيكون بداية المحاكمة "الجدية" التي ستجرى بحضور المتهم الرئيسي فيها، لأن عبد المومن خليفة لم يستنفذ الطرق القانونية التي يمكن أن يلجأ إليها لتفادي ترحيله إلى الجزائر، وهو ما أكده وزير العدل الطيب لوح أمس بإعلانه عن وجود "سبب واحد" قد يحول دون مثول الخليفة أمام المحكمة الجزائرية التي تنظر في قضية الفساد التي تورط فيها. والسبب حسب الوزير هو رفع المتهم الأول في الفضيحة شكوى ضد قرار بريطانيا أمام محكمة حقوق الإنسان الأوروبية التي تعد من أهم أجهزة الاتحاد الأوروبي ، و تعمل مع اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان التي هي الوسيط في رفع الشكاوى من طرف الدول أو الجماعات وحتى الأفراد، مثلما هو الحال مع عبد المومن خليفة الذي لديه الحق نظريا في تقديم شكوى أمامها ضد قرار الترحيل الذي أصدره القضاء البريطاني، فلهذه المحكمة التي تأسست في عام 1953 ويقع مقرها في مدينة ستراسبورغ الفرنسية اختصاص النظر في قضايا الدول الأعضاء في المجلس الأوروبي الذين قبلوا باختصاص هذه المحكمة اختياريا، بمجرد أن تكون الدولة قد أخذت بهذا الخيار تصبح كل قرارات المحكمة المتعلقة بها ملزمة لها يتم اختيار قضاة هذه المحكمة من قبل الجمعية البرلمانية للمجلس الأوروبي. وبالنظر إلى شروط رفع دعوى قضائية نجد أنها تتوفر في شخص عبد المومن خليفة مبدئيا ، وأول شرط هو استنفاذ جميع طرق كافة الإجراءات والحلول أمام القضاء الداخلي للدولة المعنية، وهو ما أكده القضاء البريطاني في إعلانه قرار الترحيل الذي اتخذه، حيث أشار إلى أن "الفتى الذهبي" السابق في الجزائر قد استنفذ كل طرق الطعن في بريطانيا بصفته مدعيا ضد قرار ترحيله، وثاني الشروط هو عرض القضية أمام هيئة المحكمة في خلال مدة 6 أشهر من تاريخ صدور آخر حكم نهائي من طرف القضاء الداخلي، في حين أن أجل التسليم الذي أعلنته بريطانيا هو قبل نهاية السنة مما يعني أن الخليفة في حالة رغبته في رفع شكوى أمام محكمة حقوق الإنسان الأوروبية فإنه سيسرع في ذلك قبل تنفيذ القرار. أما الشرط الثالث فهو لابد أن تكون المسألة متعلقة بخرق لحق من الحقوق المنصوص عليها بالمعاهدة الأوروبية، وفي هذا الجانب سيعيد الخليفة طرحه الذي تحجج به لعدم مثوله تسليم نفسه للسلطات الجزائرية والمثول أمام المحاكم الوطنية، وهو أن القضاء الجزائري لا يوفر شروط المحاكمة النزيهة والشفافة، الأمر الذي تنص عليه المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان التي تعتبر القاعدة القانونية التي بنيت عليها هذه المحكمة. فيما تنص الشروط الأخرى على أنه لا يكون موضوع الشكوى هو شكوى سابقة أمام المحكمة، وهو ما يتوفر عليه الخليفة، إذ أنه لم يسبق أن رفع شكوى أمام هذه المحكمة وكانت الإجراءات القانونية التي قام بها ضد قرار تسليمه إلى الجزائر تقتصر على الهيئات القضائية البريطانية. وفي حالة رفع الخليفة لشكوى أمام محكمة حقوق الإنسان الأوروبية، فإن هيئتها تعقد جلسة استماعية عامة لتقرر فيما إذا كان هناك خرق للمعاهدة وعادة ما تعقد المحكمة من جلسة مكونة من 9 قضاة بما فيهم قاض من بريطانيا بصفتها الدولة المدعى ضدها، وإذا تم قبول الدعوى فإن من قوانينها عدم إصدار حكم مباشرة وإنما تسعى في البداية الدفع بالتوصل إلى تسوية ودية، ثم إصدار الحكم. وبعد إصدار الحكم يمكن للخليفة الطعن بالقرار الصادر من المحكمة في حالة موافقته على قرار القضاء البريطاني القاضي بترحيله أمام المحكمة العليا قبل مرور 3 أشهر من صدوره، لأنه في حالة مرور هذه المدة سيكون حكما نهائيا وقطعيا. أما قرارات المحكمة العليا فتكون دائما قطعية وملزمة ضمن القوانين الدولية ويمكن الإعلان عن القرار إما في المحكمة نطقا أو كتابة. حالما تعتبر المحكمة وجود حالة خرق على الدول الالتزام بمنع تكرار حدوث مثل هذا الخرق بالمستقبل. "التعويض عن الخرق" يمكن أن يتم منحه للضحايا بما في ذلك تعويض يدفع من قبل الدولة المخطئة، وتكون هذه الأحكام تحت رقابة مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي الذي يتأكد من تنفيذها مع ضمان الإجراءات التي تساعد في ذلك. السوابق القضائية البريطانية مع محكمة حقوق الإنسان الأوروبية.. تأخر في الإجراءات وتسليم في النهاية تميزت العلاقة بين الحكومة البريطانية ومحكمة حقوق الإنسان الأوروبية بالاحتقان خلال المدة الأخيرة، وصلت إلى درجة إعلان لندن رغبتها الانسحاب من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وبالتالي تصبح غير ملزمة بقرارات هذه المحكمة، فقد صرحت وزيرة الداخلية لحكومة المملكة المتحدة تيريزا ماي في شهر مارس "أن المملكة المتحدة تدرس الانسحاب من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان "لأنها تؤثر على قدرة الحكومة على مكافحة الجريمة والسيطرة على الهجرة. وبخصوص إمكانية الانسحاب أوضحت "نعم أود أن أوضح أن جميع الخيارات يجب أن تكون مطروحة- بما في ذلك الانسحاب تماما من الاتفاقية". ومثلت بريطانيا بصفتها مدع عليها أمام هذه المحكمة في قضية الأردني المدعو أبو قتادة الذي طلبت عمان تسليمه إليها لاتهامه في قضايا تتعلق بالإرهاب، والمواطن ذو الأصول المصرية المدعو أبو حمزة المصري، الذي تطلبه واشنطن لمحاكمته بتهم الإرهاب أيضا. حيث استمرت الإجراءات القانونية الخاصة بترحيل المتهمين سنوات طويلة تكبدت خلالها الخزينة البريطانية أموالا كبيرة، وصلت إلى 9 ملايين دولار في حالة أبو قتادة جاءت كحصيلة لنفقات الإجراءات القانونية والظروف التي طالبت المحكمة بتوفيرها له من طرف الحكومة البريطانية، ولكن في نهاية الأمر تم ترحيله إلى بلده وفق "معاهدة" بين بريطانيا والأردن، قدمت فيها عمان التزاما بتوفير محاكمة عادلة ومعاملة تتوافق مع حقوق الإنسان ، كما جرى تسليم المدعو أبو حمزة المصري إلى الولاياتالمتحدة وهو يمثل حاليا أمام محكمة في "كولورادو". وبالعودة إلى قضية الخليفة سيكون خيار المتهم الرئيسي فيها تقديم شكوى ضد قرار ترحيله من بريطانيا وارد بصورة كبيرة، وهو الأمر الذي إذا تحقق سيترك القضية برمتها رهن الحكم الذي ستقضي به قبولا أو رفضا، ولكن المؤكد هو أن الجزائريين سيكونون على موعد مع تطورات جديدة وحاسمة في "مسلسل فضيحة القرن" الذي تجري أطواره في القارة الأوروبية على أمل أن تنتهي القضية بحكم عادل في الجزائر.