يجمع المراقبون على أن الانتخابات الرئاسية التي تشهدها الجزائر اليوم تختلف عن غيرها، على الأقل في فترة 15 سنة التي حكم فيها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، فمنذ عام 2009 الذي عرف آخر استحقاق رئاسي اختلفت الكثير من العوامل، ونشأت معطيات جديدة في الداخل والخارج. وأهم ما طرأ خلال الخمس سنوات الماضية هوأحداث ما يعرف بالربيع العربي التي انطلقت من تونس وأسقطت نظام الرئيس زين العابدين بن علي، وامتدت الى مصر وأنهت حكم الرئيس حسني مبارك الذي دام أكثر من ثلاثة عقود، لتتسع دائرة الأحداث الى اليمن التي اضطر فيها الرئيس علي عبد الله صالح الى التنحي، لتأخذ منحى دمويا في كل من ليبيا وسوريا حيث تمت الإطاحة بنظام االعقيد الليبي معمر القذافي فيما لا يزال النظام السوري قائما والبلاد تعيش في كنف العنف والفوضى لم تتوقف من ثلاث سنوات. هذه الأحداث جعلت الكثير من القراءات تذهب الى أن الجزائر ليست بمعزل عن هذه الأحداث، وأن الأمور بها لن تلبث أن تلتحق بسيناريو دول الجوار الإقليمي، ولا بد من أن تلتحق بهذا الحراك الذي تباينت تفسيراته من مطالب شعبية مشروعة للحصول على مزيد من الحرية، وبين من يعتبرها مؤامرات تدميرية. لكن "تأثر دومينو الربيع العربي" لم يحصل في الجزائر، التي مرت بعده بمواعيد انتخابية محلية وتشريعية، أكدت أن الجزائر بعيدة عن الالتحاق بالدول العربية التي شهدت انتفاضات تحول بعضها الى مسلسل دموي طويل، فيما سيكون موعد اليوم هو تأكيد على أنها لا تزال تحتكم الى الصندوق لا غيره في تقرير مصيرها للسنوات المقبلة. لكن وإن لم تستطع موجة ما يعرف بالربيع العربي إيجاد موطئ قدم في الداخل الجزائري، إلا أنها أنتجت طوقا من التوتر يحيط بالجزائر خاصة في حدودها الشرقية مع كل من ليبيا وتونس وجنوبا مع مالي، أوجد وضعا خاصا جديدا لرئاسيات اليوم. والعنصر الثاني الذي يجعل انتخابات اليوم مميزة هو أنها جاءت بعد ما يقارب السنة من الأزمة الصحية التي تعرض لها الرئيس بوتفليقة يوم 27 أفريل 2013، حيث تحولت الحالة الصحية للرئيس من أبرز الأوراق التي تم إشهارها خلال الحملة الانتخابية وما قبلها، بين تشكيك المعارضين في قدرة بوتفليقة على ممارسة مهامه الدستورية تحت تأثير العوائق الصحية، وبين تطمينات فريق الحملة الانتخابية للرئيس المترشح بأنه لا يزال يتمتع بقدرات عقلية عالية تؤهله تماما لقيادة البلاد من دون أي مشاكل، فيما تعرف تعرف صحته الجسدية تحسنا وتجاوبا مع العلاج. ومن مميزات انتخابات اليوم أنها جاءت بين حملة أخرى من غير حملات المترشحين نشطها ما يعرف بجبهة المقاطعة التي تدعو الى العزوف عن التوجه الى صناديق الاقتراع، وهو ما لم يحصل طيلة المواعيد الانتخابية السابقة، حيث كانت دعوات المقاطعة تتم من أحزاب وشخصيات كل على حدة دون بلورة دعوتها في جبهة موحدة وتنسيق في تحركاتها ونشاطاتها. يضاف إلى جبهة المقاطعة، تنظيمات أخرى نشأت في الأشهر الأخيرة التي سبقت موعد 17 أفريل، تهدف أساسا الى معارضة ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة رئاسية رابعة، والتي عملت على إقامة تجمعات في العديد من مناطق الوطن لاسيما في العاصمة. ومهما كانت الظروف والخصوصيات التي سبقت الانتخابات الرئاسية، فإن الأنظار ابتداء من يوم غد ستتج إلى ما ستفرزه، والمشهد السياسي الذي سيتمخض عنها، وهو ما سيعلن عنه الصندوق في نهاية يوم الحسم