صعّدت باريس من سقف تعاطيها مع حادثة تحطم الطائرة الجزائرية قرب منطقة غاو المالية وهي تعلن عن قرارها نقل جثامين الضحايا إلى فرنسا، الإعلان الفرنسي الذي جاء على لسان الرئيس هولاند خلال لقائه بعائلات ضحايا الحادث أثار حفيظة الجزائر التي سارعت إلى طلب توضيحات بشأن تصريحات نسبتها الصحافة الفرنسية لفرانسوا هولاند، حيث أفادت برقية لوكالة الأنباء الجزائرية بأن "وزير الشؤون الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، على اتصال بنظيره الفرنسي لوران فابيوس لتحديد بدقة الموقف الذي تم بالفعل اتخاذه بشأن التصريحات المنسوبة للرئيس الفرنسي". وأضاف المصدر نفسه "إن الوزيرين لعمامرة وفابيوس تناولا مباشرة هذه القضية التي ستقدم توضيحات سريع بشأنها". وحسب وسائل الإعلام الفرنسية، فإن فرنسوا هولاند قال، خلال لقاء مع عائلات الضحايا، إن "كل جثامين ركاب الطائرة التي تحطمت يوم الخميس الماضي بمالي ستنقل إلى فرنسا". وهذا ما يؤكد محاولة باريس الاستثمار في حادثة تحطم الطائرة وفق حسابات سياسية داخلية. في المقابل، فإن الجزائر على لسان وزير النقل عمار غول أكدت قدرتها على التعاطي مع الملف التقني بكل كفاءة بعيدا عن المزايدات الفرنسية التي طالت جثامين الضحايا الذين يعتبرون خطا أحمر بالنسبة إلى أي بلد. وعليه، لم يخف الكثير من المراقبين أن المصالح الفرنسية وحساباتها تجاه مواطنيها ورعاياها، هي الزاوية الرئيسية التي تحدد من خلالها باريس علاقاتها مع الدول والشعوب، لذلك من الواضح جدا أن حادثة تحطم الطائرة الجزائرية التي كانت تقل على متنها 119 مسافرا من بينهم أكثر من 50 فرنسيا غيّرت من أولوياتها الدبلوماسية والسياسية بوضع مصالح رعاياها والاعتبارات الداخلية في مقدمة الترتيب، حتى لو كان ذلك على حساب الأعراف الدولية التي تترك الطرف المعني المالي أولا، باعتبار الحادث وقع فوق ترابه، ثم الجزائري على أساس أن الطائرة مؤجّرة من طرف الجوية الجزائرية، إلا أن هذه الأعراف تجاوزتها باريس ومعها تجاوزت كل ما حاولت بناءه منذ مجيء فرانسوا هولاند إلى سدة الحكم. هولاند الذي بشّر الجزائريين بعهد جديد من العلاقات الثنائية الفرنسية الجزائرية، مبني على أساس الاحترام والتكافؤ وغيرها من المفردات الثقيلة، سرعان ما انقلب على نفسه وسمح باتساع رقعة التطرف اليميني، وزاد من تشديد الخناق على الجالية العربية المسلمة عموما والجزائرية خصوصا، ثم راح في مناسبة ومحنة مثل هذه التي تمر بها الجزائر قبل فرنسا، حتى لو كان عدد الضحايا الفرنسيين أكبر بكثير من الضحايا الجزائريين، يسارع من أجل وضع الموقف الجزائري في زاوية ضيقة. صحيح أن السلطات الجزائرية لم تتحرك بالفعالية المطلوبة خاصة عندما يتعلق الأمر بحادث مأساوي مثل هذا وصحيح أن مصالح الداخل الفرنسي هي التي حركت كل الإجراءات الفرنسية التي تم اتخاذها سواء في فرنسا أو مالي تجاه ملف تحطم الطائرة الجزائرية المستأجرة من شركة إسبانية، لكن ذلك لم يكن إلا ليزيد العلاقات بين البلدين برودة على خلفية حساسية التعامل بين البلدين الجزائروفرنسا، تعامل تحكمه الخلفيات التاريخية قبل أي خلفية أخرى، لكن كل هذا تم وجرى بفعل تأخر الطرف الجزائري في التعاطي مع حادثة تحطم الطائرة التي تم التعامل معه، مثلما تتعامل الحماية المدنية عندنا مع نداءات الاستغاثة في الطرق الوطنية. ومن المؤكد أن نهاية أو غلق ملف تحطم الطائرة الجزائرية سيخلف وفق هذه الوتيرة زوبعة سياسية وإعلامية ودبلوماسية ستلقي بظلها على باقي الملفات المشتركة للتعاون الاقتصادي والأمني والسياسي بين البلدين، ذلك أن فرنسا تعمدت أن تظهر في صورة الطرف الذي يمسك برأس الخيط حتى لو كان التخبط سيد الموقف لدى الطرفين على الأقل في بداية الفترة التي سبقت تحطم الطائرة. ونشير إلى أن الطائرة الإسبانية المستأجرة من شركة الخطوط الجوية الجزائرية التي كانت تضمن الرحلة بين "واغادوغو" والجزائر تحطمت يوم الخميس بشمال مالي، حيث خلف تحطم هذه الطائرة من نوع "ماك دونيل دوغلاس-83" هلاك 116 شخصا من جنسيات مختلفة من بينهم 6 جزائريين و54 فرنسيا.