هي قروح وكدمات الزمن والإنسان نحوهما.. ترائيات الذي تقضى.. شواغل وهواجس نابتة في أقاليم الخوف والرعب، وليس في القيلولة أو الاسترخاء.. هي أسئلة صافعة وإجابات موغلة في الخراب ثم بعيدا عن المرارة والألم، هي روح غاطسة في الجمال. في الحميميات التي نسترقها من الزمن حين يسطو على الذاكرة، إنها روح مالك حداد التي تكاد تستولي على كيانه، بل أصبحت منه الكيان والفؤاد والتي مافتئ يستجديها في العودة من جديد، أو في الحضور الأرقى لاستنزال مطرة على يبابنا كي نستفيق. هي ماضي تقضى لمستقبل سيأتي ويتقضى، لكن بأقل عنف وأقل تكاليف'' أليس كذلك يا شكري شرف الدين الموجوع؟'' وأنت تحاول في متنك المرعب والمختلف والصادم..'' جبل نابليون الحزين''، الصادرة عن ''دار فيسيرا'' سبل قلمك في ما تنزى من ''جوانياتك'' لاستعادة الوجع والإحباطات والإخفاقات والوأد ''كما حدث للطفولة والحلم''، والتي يعتقد يقينا أنها انغرست في تراب ''اللغة الشعرية'' الأكثر كويا والأكثر لسعا، في محاولة لاستعادة إرث إنساني فاجع، من زمن جزائري محض كسر الحلم والطفولة وشوَّه الحرية والإعتاق وتلاعب بالفعل والتراث والهوية الإنسانية. ومنذ الإهداء ''إلى.. إسماعيل يفصح.. مالك حداد منظرا لكل الأزمنة الجزائرية.. يوسف سبتي''. يريد شكري أن يقول لنا جميعا بأنني سأنتصر ''باللغة اللاهبة والكاوية'' للفكر دون سواه وبأي لغة ينكتب..سأنتصر للذين راحوا ضحية تهم تافهة برصاص أتفه، ليستعيد دور الفكر في التنوير والارتقاء، لكأنه يريد أن يلقننا درس الولاء للكتابة من حيث هي فعل إنساني خالص للحياة الخالصة بعيدا عن الجنوسة والتأطير والتقولب، كما يريد قول الحرية وفعلهَا في محراب الفكر المنير، بدل التسطيح والتشويه والتقزيم والتحقير والتتفيه والتنكيل والتعتيم والرعب في وضح النهار. كما يريد الخروج من الظلام إلى النور معترفا بصعوبة المهمة، وهو يطابق بقصد أو دونه على طول الطريق الذي بين قسنطينة والصحراء أو بالأحرى بين الصحراء وقسنطينة، في إشارة لرحلة كان يفترض أن يتنكبها مالك حداد ولم يفعل، فجاء شكري وأراد أن يتممها ''الطريق إلى قسنطينة لايزال طويلا، فليس من السهل الخروج عن الصحراء''. كما في الظلام المدلهم من تاريخ العشرية الدامية من ذكريات 88 الموجعة لصحافي شاب وصحافية شابة ''نزيهة، الحلم والكينونة والأبد'' تنكبا حلما بريئا رغبة في صعود هرم الحياة والانتشال من غرق وهلاك، حيث انوجدا في أتون معركة ضارية لا قبل لهما بدفعها سوى الحلم الذي تأبطانه، والذي سقط في ظلمة التطرف والقصف ودوي التحجر والقتل المجاني.. لكنه لم يمت تماما حيث واصل المشي في الوعورة وانتصب وامتشق سيف الرفض، من أجل أن تستقيم الرؤيا وتلين وتتوضح بما يكفي في الذروة والشبق. ''جبل نابليون الحزين'' متن غائر في حموضة الزمن، ملامس للجلد الإنساني الرهيف الذي يطرح معادلا زمنيا ومكانيا لحالات قاسية وعصيبة تستعصي على الزمن والإنسان. لربما هو فائق التشظي والأورام الإنسانية التي نشأت من محاولات طمس القيمة والفعل وتشويه الذات الذي أفضى، في وطننا، إلى تمزقات وتقرحات نفسية واجتماعية في الحب وسواه، كما في الفقد الجارح ''أشتاق إلى والدتي كثيرا.. أعرف معنى أن نحن كلنا إلى بيت الدفيء.. أعرف الكثير من الاشتياق الذي يختلج قلب هذا الطفل''.. كما في الأمومة واليتم والشوق.. ''لو كان بوسعنا أن نحكم مسك أكف أحبتنا مدى الحياة، لما تركناها تغيب عن أعيننا لحظة''.. والتوق والنفي والغربة والاغتراب، كما تشويه التاريخ والزيف الذي طال المجتمع والكبت الذي حولنا جميعا إلى وحوش آدمية يلزمها وقت طويل لمعالجة الخدوش والانهيارات بفعل ذاك الزمن الرديء والحامض..عز الدين جوهري