المرأة العربية والمسلمة تعيش عمرا كاملا من الخوف حاورتها/ نوّارة لحرش منذ أيام صدرت رواية "أقاليم الخوف" للروائية فضيلة الفاروق، وهو العمل الأدبي الخامس لها بعد: "لحظة لإختلاس الحب" مجموعة قصصية، متبوعة بروايات أثارت كلها جدالات ونقاشات فور صدورها وهي على التوالي: "مزاج مراهقة"، "تاء الخجل"، "اكتشاف الشهوة"، وفي عملها الروائي الجديد تواصل الكاتبة فضيلة الفاروق الحفر العميق في أوضاع وحالات المرأة العربية والمجتمعات العربية الإسلامية التي تعيش تناقضات صارخة ومتطرفة في الآن ذاته، تواصل أيضا طرق المحظور والمسكوت عنه وحتى المخجول منه، تطرقه بجرأة وتضيء عليه وحوله بهذه الرواية، وهي ترى وتؤمن أن بإمكان الرواية أن تفعل شيئا جميلا وأن تنتج أفرادا أسوياء في المجتمع، وأفرادا منتجين ولهم رؤية ما، رؤية جميلة طبعا،،، في هذا الحوار تتحدث الفاروق عن روايتها الجديدة، وعن الخوف والحرية وأشياء أخرى نقترب منها ومن تفاصيلها أكثر من خلال هذا الحوار. أقاليم الخوف، عنوان روايتك الجديدة، هل يمكن أن تحكي للقاريء موضوعتها في أسطر؟ فضيلة الفاروق: مارغريت صحفية أميريكية تفجر عائلتها في شرم الشيخ بمصر، وتكون الناجية الوحيدة في الحادث، تنمو لديها رغبة لفهم الهجوم الغريب الذي استهدفهم كمسيحيين وأميركان، فتحتك بالمسلمين في أميركا، لتقع في حب أستاذ جامعي لبناني مسلم، فتعاشره، ثم تتزوجه، وتنتقل معه إلى بيروت لتطفو إزدواجيته على السطح، إذ يصبح رجلا عاديا كأغلب الرجال المسلمين الذين يعيشون بازدواجية في سلوكهم مع عائلاتهم، وتسرد مارغريت تفاصيل هذه التناقضات الموجودة داخل العائلات المسلمة، والعائلات الشرقية عموما إنطلاقا من دياناتها المختلفة. ولأن التناقضات تصبح صارخة وغير محتملة بين الأميريكية واللبناني المسلم السني، فإن الطلاق يكون نهاية منطقية لذلك الزواج، فتدخل مارغريت في علاقة جديدة مع صحفي أميركي أسود يعمل بتغطية الحروب في الشرق الأوسط وبعض الدول الآسيوية والأفريقية والأوروبية التي يتواجد فيها الإسلام، وأيضا تصل هذه العلاقة للفشل بسبب الضغوطات النفسية التي يتعرض لها كل من نوا الصحفي الأميركي، وهي... وقبل أن تبلغ الأحداث ذروتها يختطف نوا من طرف جماعة متطرفة في بغداد، فتنطلق مارغريت بحثا عنه، لكنها تقع في فخ نصب لها، من طرف مجموعة غير متوقعة من شبان مسلمين عرب، وتحت الإستجواب والتعذيب تعترف بأسرار خبئت لآخر الرواية، لكن الحب ينشأ بشكل غير متوقع بين جلادها وبينها، فيدركان أن السلام وحده قد يوفر لهما حياة كالتي حلما بها، وليس السلاح وتبادل التهم، والتراشق بالقنابل وأدوات الموت. كأن بطلاتك على صراع دائم مع المجتمع، ومع الذهنيات الذكورية، إنهن على حالة صراع دائمة مع الآخر وحتى مع الذات، وكأن الخوف هو التيمة المُشتركة بينهن وبين أعمالك السابقة؟ نحن النساء نولد في مجتمعاتنا المتشابهة في تقاليدها ودياناتها وموروثاتها وأعرافها، ونحن نمثل مسبقا كائنات مهيأة للجنس والتكاثر، تنعم الفتاة بما يقارب الثمان سنوات كمعدل حياة بالحرية المفخخة، ثم تبدأ إجراءات سجنها وتخويفها، أولا تخوف من الذكور في عمرها، دون أن تفهم تماما مما يجب أن تخاف، ولكن التحرشات الجنسية للذكور في عمر باكر للفتيات يجعل الفتاة تفهم أنها مهددة جنسيا، وطبعا في غياب تام للردع والتربية العائلية للذكور يتربى الذكر في مجتمعنا كأنه حيوان يعامل الأنثى حسب غرائزه لا حسب عقله وتربيته، تخاف الأنثى من هذا الذكر في الشارع، كما في التجمعات التي يكثر فيها الغرب بضم الغين- ثم يصبح الخوف مركزا على عذريتها التي تعمل على الحفاظ عليها حتى تتزوج، ولكن هذا الخوف لا ينتهي، فهي يجب أن تنجب حتى تكون زوجة كاملة، وللأسف الأمور لا تنتهي عند هذا الحد فهي يجب أن تنجب ذكورا وإلا ستظل كائنا مسكينا أنجب مجموعة من القنابل القابلة للإنفجار في أي وقت، وتصبح مسؤولة على حماية عدة عذريات بدل عذريتها الواحدة، وهي في زواجها يجب أن تقطع علاقتها بأصدقائها الذكور لأن زوجها لن يتقبل تلك العلاقة، وغير ذلك يجب أن تكون محتاطة جدا في تعاملها مع الأقرباء الذكور، وهي في هذه الدوامة تعيش في مجتمع يتعامل مع الجار بالريبة والخوف، ومع الشارع بالخوف، ومع الأستاذ بالخوف، ومع المدير بالخوف، ومع الحاضر بالخوف، والمستقبل بالخوف... هذا الخوف يتحول إلى مرض يتحكم في كل سلوكاتها ويجعلها كائنا من الدرجة العاشرة ينتظر من يقرر له حياته، ومن يخلصه من التهم التي تلاحقه دون أن يذنب، وهذا الخوف للأسف تتميز به مجتمعاتنا الإسلامية في الغالب والمجتمعات اليهودية، ثم تليها في المرتبة الثانية المجتمعات المسيحية في الشرق بتقارب كبير بمختلف طوائفها، ولهذا ألقيت الضوء على هذا، مجتمع الشرق عموما كشرق يمثل المرجعية الدينية بتأويلاتها التي حولت حياة المرأة وحياة الفرد عموما إلى حياة لا تطاق... حتى العلاقة بينك وبين الله حولها مؤولو الدين إلى علاقة خوف دائم... وهذا في حد ذاته كسر لكل القيم الروحية والأخلاقية بين البشر، فإن أصبح القتل والتنكيل بإسم الله فهل بقي هناك ملجأ ما نجد فيه العدالة في هذا الكون؟؟؟. قلت هذه أول مرة أكتب نصا أتحاشى فيه ذكر الجزائر، هل أردت أن لا تصنف الرواية في خانة الأحداث والأجواء الجزائرية الخالصة، يعني أردت أن تكون واسعة الرقعة بما أن الخوف في المجتمع العربي له كل الأقاليم الممتدة وليس فقط الأقاليم المحددة أو المحدودة؟ أنا فعلا أبعدت الجزائر من بنائي لأحداث الرواية، وكل ما وصفته هو الأجواء الإسلامية التي تتشابه بين كل البلدان العربية التي تدين بالإسلام، ولو أني أخذت الجزائر فضاء مكانيا لروايتي لحصرت نفسي في فضاء ضيق يصعب فيه علي أن أقول ما أريد. ومشكلتنا اليوم أخلاقية، لهذا يجب أن نعرف منابع خلخلة أخلاقنا، وتحويلنا إلى حيوانات تهوى القتال والتنكيل ببعضها البعض، فقد أصبحنا اليوم نخاف من الآخر كما كان الإنسان الحجري، الذي كلما رأى شيئا أمامه يتحرك إنقض عليه لقتله خوفا على نفسه منه. تلاشت عندنا لغة الحوار، تلاشى دور العقل تماما، وأصبح بإمكان شخص من أقصى السودان أن يصدر فتوى تقضي بقتل الرجل لأمه إن شك في سلوكها، فينفذ الفتوى مئات الرجال المعطلي التفكير والعاطفة الإنسانية على أمهاتهم في أطراف عدة من العالم دون أن يسأل نفسه لماذا يتحول إلى قاتل؟؟؟ ولماذا يقتل أمه التي أنجبته وسهرت الليالي عليه، وتنتظر أن يكون حاميها في الدنيا لا الخطر المهدد لها، وهل يقتل ليرضي الله أم لينقذ أمه من الجحيم؟ وهل يفكر أن الله القادر على كل شيء يحتاج قاتلا مثله لحماية ذاته الإلهية؟ وفرضا أمه مذنبة هل بكل سهولة يغلق أبواب التوبة في وجهها ويرديها قتيلة؟ هل ديننا دين لا رحمة فيه؟ وهل ديننا يغلق أبواب التوبة أم يفتحها؟ هل ديننا دموي لهذه الدرجة؟ الأسئلة الخطيرة التي يجب أن نسألها اليوم هي هذه وفضاؤها حتما لم يعد فضاءا محصورا في دولة. هل يأتي الخوف عادة من انعدام الحرية، ومن الأبوية الذكورية التي يمارسها المجتمع من محيط وأهل وفكر مسبق بقناعات ما؟ يأتي الخوف حين يموت الضمير، وتصبح الغريزة الحيوانية هي التي تتحكم في سلوكاتنا، وكلما كان الإنسان ضعيفا في أخلاقه فإنه يصبح عدوانيا مع الآخر بالتالي يقمعه، وحين تزداد العدوانية في سلوكات الشخص يصبح خطرا، والخطط الصحيحة تقول أن هذا الكائن الخطر: لا يجب أن تمنح له منابر المساجد ليخطب فيها، أو منابر الجامعة، أو منابر الإعلام، أو تسلم له دفة الحكم، لأنه ينقل عدواه للآخر الذي يشبهه، ونحن من باب حرية التعبير وإحترام الآخر منحنا المنابر للناس الخطأ... اليوم نعيش في سجن كبير، إسمه أقاليمنا الإسلامية، حيث المسلم يخاف من غير المسلم فيلجأ إلى قتله ولو بتفجير نفسه، والشيعي يخاف من السني والعكس صحيح، والسني المتعاطف مع حماس يخاف من السني المتعاطف مع فتح والعكس صحيح فيقصيه... علينا أن نتأمل هذا التسلسل لنعرف أن إنعدام الحرية وليد الخوف وليس العكس. ومتى ما كان الإنسان واثقا من نفسه ومن فكره على أنه متين فإنه يصبح قويا وفي غير حاجة لإقصاء الآخر. كأن الرواية تقول أن الحجاب أو النقاب الأكثر فتكا بالمجتمع والإنسان هو العقل الرجعي الظلامي؟ حين بدأت فتوى الحجاب تخترق العالم الإسلامي، كانت لينة وجميلة، وتدعو النساء إلى تغطية شعرهن تفاديا للفتنة، وطفت إلى النور بعض الآيات من سورة النور وغيرها، سارعت البنات إلى التحجب خاصة في إيران أول بلد ولد فيه ما يسمى بالثورة الإسلامية، طبعا يومها كان صعبا على الإعلام أن يخترق أسوار دولة الفقيه الجديدة، ولم نعرف أن النساء أصبحن يتعرضن للسجن والضرب إن خالفن هذا القانون، وطبعا تفننت كل دولة فيما بعد لفرض الحجاب بألوان معينة وأشكال معينة على النساء ومن يخالفن القانون يلحق بهن الأذى الجسدي، في بعض الدول ظلت المسألة إختيارية بالنسبة للمرأة، ولكن المتحجبات أصبحن يعاملن غير المتحجبات بتعالي وتكبر، على أنهن أقرب لله علما أن سلوك المرأة يبقى مرتبطا بشخصيتها وقناعاتها الداخلية، إذ لم يهذب الحجاب لا المرأة ولا الرجل. فالرجل الذي يتميز بأخلاق عالية يبقى كذلك سواء مرت أمامه امرأة متحجبة أو سافرة، والرجل القليل الأخلاق يتحرش بكل النساء على أنواعهن، بل أحيانا يتحرش بالعجائز، والبنات الصغيرات...وطبعا كثيرا ما تساءلت: كيف لرجال في الأربعين مثلا أن يغتصبوا بنات دون الثامنة من العمر؟؟؟ وكيف لرجال في هذا العمر أن يتزوجوا بنات في الست عشرة سنة أو السبع عشرة سنة؟؟؟؟ وقد كانت إجابات علم النفس مقنعة وهي أن هؤلاء رجال شكلا لكن عقولهم غير ناضجة؟ والسؤال المحرج الذي نصادفه أمام ظاهرة كهذه متفشية في بلادنا: لماذا نملك هذا الكم الهائل من الرجال غير الناضجين؟؟؟ والذين يشكلون خطرا على أولادنا وبناتنا ونسائنا في كل مكان وزمان؟، والجواب هو: بكل تأكيد لقد فشلت منظوماتنا الأسرية والتربوية لتنشئة أبنائها... والسبب يعرفه الجميع لكنه يغض عنه البصر وهي أننا عائلات مبنية على الخوف في علاقاتها، فأغلب أطفالنا تربيهم عائلاتهم "بالبشماق" ولغة البشماق للأسف هذه هي نتائجها. تستثمرين في رواياتك تاريخ القهر الطويل الذي تعانيه وتتعرض له المرأة كثيرا، برأيك هل بإمكان الرواية أن تنصف المرأة، أم هي فقط تضيء على محنتها وقهرها ومعاناتها؟ بإمكان الرواية أن تنتج أفرادا أسوياء في المجتمع، وأفرادا منتجين، وأفرادا لهم رؤية رحيمة للإنسان ورؤية جمالية للمحيط الذي يعيشون فيه. وعموما الأدب والشعر يهذبان النفس، ويجعلانها ترى العالم بعيون جمالية، ما يجعلها في النهاية تبتعد عن الشرور التي تغرسها فيها الأفكار الجهادية والإنتحارية والتخويف والترهيب الذي يعتمده دعاة التصفيات الجسدية لكل من يخالفنا الرأي. بالنسبة للمرأة، لقد كان الأدب ولا يزال العتبة رقم واحد التي تجعل المرء يدخل عالم التحضر، وكلما وجدنا أمة متحضرة وجدنا فنون الأدب مزدهرة فيها، وكلما وجدنا هذه الفنون متراجعة وجدنا كوارث ومصائب لا نهاية لها. ولا يجب أن نذهب بعيدا لنقرأ تاريخ الأندلس في أوج حضارته، ولنقرأ تاريخ الدولة العثمانية التي حين كانت تكبر كعتاد قتالي وتتوسع سياسيا، كان العلماء والأدباء يهربون من أمامها نحو أوروبا، والنتيجة واضحة إلى اليوم...! وصدقيني متى ما أصبح الرجل ينظر إلى المرأة على أنها شريكته في الحياة وليست ملك يمين له أو غرضا من أغراضه فإن وضعها سيتحسن... وللأسف هي نفسها لا تريد التغيير حاليا وتعتمد سبلا ملتوية لترضي الرجل، ظنا منها أن هذا الرضى سيجعلها محترمة، ولكن هيهات تؤخذ الدنيا غلابا، والإحترام يفرض فرضا، وكما نرى النساء في أفغانستان إرتدين البوركا الزرقاء التي لا تكشف عن شيء من أجسامهن ومع هذا لم يبلغن الإحترام المرجو، وفي السعودية مثلا البرقع الأسود لم يمنح للمرأة الإحترام والثقة التي تحلم بها، فهي دوما الكائن الذي يشك في سلوكه، ويجب أن يتحرك تحت مراقبة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه الهيئة تعتمد رجالا يحمل الواحد منهم عصا ويمشي في الشارع وإن رأى شيئا ظهر من تحت عباءة المرأة يعطيها ضربة بعصاه... لا أظن أن سلوكا مثل هذا يليق بأمهات تجاوزن الخمسين أو جدات أو نساء ذوات تكوين علمي ونسب عائلي محترم يشهد له بالأخلاق... علينا أن نعترف أننا في زمن الإعلام المفتوح وهذه فرصتنا للإصلاح وإلا فلنرض أن نعيش مثل الحيوانات، مع ملاحظة أنه من النادر أن نجد حيوانا يعتدي على أنثاه أو يجوعها، أو ينكل بها... وحده الإنسان الذي خصه الله بالعقل يتصرف عكس الطبيعة. هل من كلمة تودين قولها خارج سياق أقاليم الخوف؟ لا يخطر ببالي شيء، أنا في إنتظار ردود فعل القراء على الرواية وأظنني قدمت فيها أفكارا جديدة... وأهديها لكل النساء الحرائر اللواتي يفتخرن بحريتهن وإستقلالهن، ولكل الرجال المحترمين الذين يرفضون أن يلعبوا دور الجلاد الحقير ويتعاملوا مع المرأة من باب إنسانيتها ومن باب المحبة لا التخويف.